قال لي '' موريزيو سافوني'' وهو ينظر إلى الشوارع المبلطة لضاحية ''بورجو بيو'' في روما إنه سيقوم بإغلاق مقهى الانترنت الذي يملكه لأنه لم يعد راغبا في الاستمرار في العمل كـ''مخبر'' للشرطة·
وبعد أن قامت إيطاليا بتمرير حزمة قوانين مضادة للإرهاب في شهر يوليو الماضي، قامت السلطات فيها بإصدار أوامر إلى أصحاب المشروعات التي تعمل في مجال الاتصالات العامة مثل السيد ''سافوني'' الذي يمتلك مقهى للإنترنت بضرورة الحصول على صورة من جوازات سفر كل زبون من الزبائن الأجانب الذين يريدون استخدام الانترنت أو الهاتف أو حتى جهاز الفاكس الموجود في مثل تلك المراكز·
ويعلق ''سافوني'' على ذلك وقد اكتظ سطح مكتبه بصور جوازات السفر التي كان قد أخذها من عملائه:''مثل هذا القانون يخلق جواً خانقاً وثقيلا ويتناقض تناقضاً تاماً مع فكرة الحرية التي تقوم عليها شبكة الإنترنت على وجه التحديد''· وبعد أن قال لي ''سافوني'' هذا الكلام نهض وقد لاحت على وجهه علامات الضيق متجها نحو الباب كي يطلب من زبون أجنبي جاء يريد الاطلاع على بريده الاليكتروني أن يعطيه أولا نسخة من جواز سفره·
وهذا القانون الذي تم تمريره بعد أسبوع على وقوع تفجيرات قطارات لندن يعتبر جزءاً من حزمة إجراءات مكثفة مضادة للإرهاب تم تطبيقها في إيطاليا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأميركية وبعد قيام إيطاليا بعد ذلك بإرسال قوات لها ضمن التحالف الذي قام بشن الحرب على العراق·
وعلى الرغم من أن القانون الذي تم تمريره ينص أيضاً على اتخاذ إجراءات لتعزيز الأمن في مجال المواصلات - وليس الاتصالات فقط- تشمل ضمن ما تشمل أخذ عينة من الحمض الوراثي بالإضافة إلى إجراءات أخرى لتسهيل عمليات القبض على، واعتقال، وترحيل المشتبه فيهم· وعلى الرغم من أن إيطاليا من الدول التي تتمتع بثقافة احتجاج صحية أي أنها من الدول التي يسمح فيها بالاحتجاج على القوانين دونما عقوبات على المحتجين، فإنه لم تبرز حتى الآن معارضة ذات شأن أو احتجاج على القانون المذكور·
وقبل أن يتم تمرير القانون فإن ''سافوني'' لم يكن يعرف أي شيء عن شخصيات زبائنه، أما الآن فهو مطالب بحكم مواد القانون الجديد بمعرفة شخصياتهم واسمائهم الكاملة مع التركيز على اسم العائلة بوجه خاص، كما يجب أن يسجل في نموذج معين بيانات الكمبيوتر الذي قام العميل باستخدامه، وكذلك عدد مرات الدخول إلى شبكة الانترنت والدخول إلى المواقع والخروج منها·
ومثله مثل غيره من أصحاب مقاهي الانترنت، فإن ''سافوني'' أصبح مطالباً بالحصول على رخصة اتصالات جديدة لمشروعه من الجهة الحكومية المختصة بذلك، كما يتعين عليه أيضاً أن يشتري برنامج كمبيوتر خاصاً لتعقب شخصيات العملاء تبلغ تكلفته ما قيمته 1600 دولار·
وهذا البرنامج يقوم بعمل لائحة بالمواقع التي دخلها كل عميل من العملاء الأجانب، ويجب على الموظف المسؤول في كل مقهى من مقاهي الانترنت أن يقوم بصفة دورية بتسليم نسخة من تلك اللائحة إلى قيادة الشرطة التابع لها·
وعندما توجهت بالسؤال عن ذلك الأمر إلى مسؤول حكومي طلب مني عدم ذكر اسمه قال لي:''يجب علينا جميعاً أن نبذل قصارى جهدنا لمحاربة الإرهاب''·
ويدعي المسؤولون الإيطاليون أن موقفهم الجديد بشأن أمن الاتصالات قد أدى إلى القبض على ''حسين عثمان'' المعروف باسم ''حمدي إسحاق'' وهو رجل من ضمن الرجال الذين يقفون وراء المحاولة الفاشلة لتفجير محطة مترو أنفاق لندن يوم 21 يوليو الماضي·
'' كان حمدي معروفا جيدا لرجال أمننا، وكان لديه أقارب هنا أجرى اتصالات معهم'' كان هذا هو ما قاله لي المسؤول الحكومي في رسالة بالبريد الاليكتروني· بيد أن الآنسة ''سيلفيا ماليسا'' وهي شابة إيطالية تمتلك مقهى للإنترنت في قرية ''أولبيا'' بـ''سردينيا'' لا زالت غير مقتنعة بالإجراءات الأخيرة تلك·
ففي محادثة تليفونية أجريتها معها قالت لي ماليسا:''إن تلك الإجراءات تعتبر في رأيي مضيعة للوقت لأن الإرهابيين لا يأتون عادة لمقاهي الإنترنت، إذ يمكنهم شراء كمبيوتر وإجراء كافة اتصالاتهم عليه''·
ويعتقد كل من ''سافوني'' و''ماليسا'' أن تلك الإجراءات سوف تؤدي إلى التأثير بالسلب على أعداد الزبائن الذين يترددون عليهما· ويقول سافوني إنه قد لاحظ أن عدد الزبائن الأجانب الذين يترددون على مقهاه قد تقلص بنسبة 10 في المئة على الأقل·
وتقول ماليسا : ''هناك نقطة أخرى تثبت عدم ضرورة تلك الإجراءات وهي أن معظم السياح الذين يتجولون في المدن يقومون بترك جوازات سفرهم في المنزل كما أنهم يترددون كثيرا عندما نطلب منهم التوقيع على تعهد أمني''·
ووفقا لقانون مناوأة الإرهاب الجديد في إيطاليا، فإن الأشخاص المسجلة أسماؤهم على القائمة السوداء للاشتباه بوجود روابط بينهم وبين شبكات إرهابية، هم فقط الذين يتم فحص بريدهم الاليكتروني·
ويشار إلى أن وزير الداخلية الإيطالي ''جيوسيبي بيسناو'' كان قد أعلن في تاريخ سابق أن إيطاليا لن تتوقف عند أي حد في مقاومتها للإرهاب· ويشار