يقع عيد رأس السنة اليهودية في أول شهر تشري، وهو السابع في التقويم اليهودي (والذي يوافق هذا العام 4 أكتوبر)· وبعد مرور هذا العيد الذي يستغرق يومين يقع صوم جداليا في 3 تشري (6 أكتوبر هذا العام) لإحياء ذكرى حاكم فلسطين الذي ذبح بعد هدم الهيكل· وثمة أيام صوم أخرى في التقويم اليهودي مرتبطة معظمها بأحزان جماعة إسرائيل ومن أهمها التاسع من آب، يوم هدم الهيكل (خراب الهيكل في المُصطلَح الديني) الأول والثاني، والسابع عشر من تموز الذي يصوم فيه اليهود بسبب مجموعة من الكوارث القومية وردت في التلمود، فهو اليوم الذي حطم فيه موسى لوحي الشريعة بعد أن هبط من جبل سيناء ووجد اليهود يعبدون العجل الذهبي، وهو اليوم الذي نجح فيه تيتوس في تحطيم حوائط القدس، ودخل فيه نبوختنصر إلى المدينة، وحرق فيه الجنرال السوري إتسونيوموس لفائف الشريعة، وأقام فيه بعض الحاخامات أوثاناً على جبل صهيون· وقد قرر الحاخامات أيام صيام أخرى إضافية من أهمها صيام أيام التكفير العشرة (بين عيد رأس السنة ويوم الغفران)·
وإلى جانب أيام الصيام التي وردت في العهد القديم، والتي قررها الحاخامات توجد أيام الصيام الخاصة· فيصوم اليهودي في ذكرى موت أبويه أو أستاذه، كما يصوم العريس والعروس يوم زفافهما· وفي الماضي، كان اليهودي يصوم بعد رؤيته كابوساً في نومه· وإذا سقطت إحدى لفائف التوراة كان من المعتاد أن يصوم الحاضرون· وفي الماضي، كان الصائمون يرتدون الخيش ويضعون الرماد على رؤوسهم تعبيراً عن الحزن· هذا ويصوم أعضاء ''الناطوري كارتا'' المعادون للصهيونية يوم عيد استقلال إسرائيل باعتباره يوم حداد عندهم·
ولكن أهم أيام الصيام هو صوم يوم الغفران في العاشر من تشري (الموافق 13 أكتوبر هذا العام)· وهو الصوم الوحيد الذي ورد في أسفار موسى الخمسة حيث جاء فيها ''وتذللون أنفسكم'' (لاويين 23/27)، فأخذت هذه العبارة على أنها إشارة إلى الصوم· ويوم الغفران هو ترجمة للاسم العبري ''يوم كيبور''· وكلمة ''كيبور'' من أصل بابلي ومعناها ''يطهر''· والترجمة الحرفية للعبارة العبرية هي ''يوم الكفارة''· ويوم الغفران كما أسلفنا هو يوم صوم، ولكنه مع هذا أضيف على أنه عيد، فهو أهم الأيام المقدَّسة عند اليهود على الإطلاق وحيث إنه يقع في العاشر من تشري فهو، إذن، اليوم الأخير من أيام التكفير أو التوبة العشرة التي تبدأ بعيد رأس السنة وتنتهي بيوم الغفران· ولأنه يُعتبَر أقدس أيام السنة، فإنه لذلك يُطلَق عليه ''سبت الأسبات''· وفي هذا العيد كان الكاهن الأعظم يدخل قدس الأقداس في الهيكل ويتفوه باسم الإله ''يهوه''، وهو الاسم الذي يحرم التفوه به إلا في هذه المناسبة· وبحسب التراث الحاخامي، فإن يوم الغفران هو اليوم الذي نزل فيه موسى من سيناء، للمرة الثانية، ومعه لوحا الشريعة، حيث أعلن أن الرب غفر لليهود خطيئتهم في عبادة العجل الذهبي، فهو لذلك يوم عيد وفرح· ومع هذا أضاف التراث الحاخامي جانب الحزن والندم والحداد· إذ قرر الحاخامات أن يوم التكفير هو اليوم الذي سمع فيه يعقوب التوراتي عن موت ابنه يوسف· ولذا يجب أن يشعر الإنسان بالحزن طيلة ذلك اليوم· ويجب التضحية بكبش ذكر ليتذكر اليهودي الكبش الذكر الذي ذبحه إخوة يوسف وبللوا قميصه بدمه·
وتظهر الطبيعة المزدوجة للعيد الذي هو أيضا يوم صيام في أن اليهود يرتدون الملابس البيضاء علامة الفرح حتى يشبه اليهودي الملائكة الذين لا يعرفون الشر· ولكن اللون الأبيض هو أيضاً لون الكفن، وبذا يتذكر اليهودي الموت مما يعمق رغبته في التوبة والرغبة في التكفير عن ذنوبه·
وقد ناقش فيلون السكندري (اليهودي المتأثر بالتراث الهيليني) طبيعة يوم التكفير هذا· فهو يرى أنه أعظم الأعياد، وأنه يوم فرح، ولكن الفرح الحقيقي لا يمكن الوصول إليه من خلال الإفراط في الطعام والشراب، فمثل هذا لا يؤدي إلا لإثارة الرغبات والشهوات الجسدية، ولذا يجب على اليهودي في هذا اليوم أن يتسم بالزهد وأن يكرس جل وقته للصلاة، فالهدف من هذا العيد هو تطهير القلب، وأن يصلي الإنسان متسامياً على رغباته الجسدية، وأن يطلب من خالقه المغفرة لما ارتكبه من ذنوب في الأيام السابقة، وأن يطلب رضاه وبركته ونعمته في أيامه المقبلة·
وعيد يوم الغفران هو العيد الذي يطلب فيه الشعب ككل الغفران من الإله· ولذا، فإن الكاهن الأعظم كان يقدم في الماضي كبشين (قرباناً للإله نيابة عن كل جماعة يسرائيل) وهو يرتدي رداءً أبيض (علامة الفرح) وليس رداءه الذهبي المعتاد· وكان الكاهن يذبح الكبش الأوَّل في مذبح الهيكل ثم ينثر دمه على قدس الأقداس· أما الكبش الثاني، فكان يُلقَى من صخرة عالية في البرية لتهدئة عزازئيل (الروح الشريرة)، وليحمل ذنوب جماعة يسرائيل (وكما هو واضح، فإنه من بقايا العبادة اليسرائيلية الحلولية ويحمل آثاراً ثنوية، ذلك أن عزازئيل هو الشر الذي يعادل قوة الخير)· ولا تزال لطقـوس الهيكل أصداؤها في طقـوس المعـبد اليهـودي في الوقت الحاضر، إذ يُلف تابوت لفائف الشريعة بالأبيض في ذ