على الرغم من أنه موجه في المقام الأول للقراء الأميركيين إلا أن هذا الكتاب المهم الذي قام بتأليفه ''ديفيد كوبيليان'' تحت عنوان ''تسويق الشر: كيف قام الراديكاليون والنخبويون والخبراء المزيفون بتسويق الفساد لنا تحت مسمى الحرية'' يخاطب القراء الغربيين أيضاً حيث يقوم بتحقيق طائفة واسعة من الموضوعات، التي تشمل الكيفية التي قام بها مجتمع اليوم بالتخلي عما يصفه البعض في هذا المجتمع بأنه ''أفكار عتيقة الطراز'' عن ''الحق والباطل'' لصالح ما يعرف بـ''التراضي'' وهو نمط من الحياة يقوم في إطاره أي شخصين بالتراضي على القيام بأي شيء يرغبان في القيام به دون أدنى اهتمام بما إذا كان هذا الشيء يبدو مستهجنا في نظر الآخرين أم لا بشرط ألا يتسبب ما يقومان به في أي ضرر للآخرين· ويؤكد المؤلف أن قيام المجتمع بالتخلي عن المبادئ الراسخة التي يصفها البعض بالعتيقة قد أوصله إلى حالة من ''الضلال أو فقدان الاتجاه'' بحيث أصبح من العسير على أفراده أن يدركوا ما إذا كان ما يقومون به يتسبب في الإضرار بالآخرين أم لا·· لأنهم ببساطة لم تعد لديهم قاعدة ثابتة أو مرجعيه يعودون إليها· ولا يقتصر الأمر على ذلك حيث نرى أن أفراد هذا المجتمع قد تخلوا أيضا عن القيم الدينية التي كانت تشكل ركيزة من الركائز الأساسية التي قامت عليها الحضارة الغربية· ويصور المؤلف كيف أن الإجهاض قد تحول إلى ممارسة يتم وصفها في المجتمع الحديث بأنها ''اختيار'' أو ''قرار شخصي'' يتم التوافق عليه بين المرأة الحامل وبين الطبيب دون أدنى مراعاة للنواحي الأخلاقية المرتبطة بالموضوع· وقد يتبادر إلى ذهن من يقرأ هذا الكلام للوهلة الأولى أن هذا الكتاب ربما يكون من الكتب التي تتناول مبادئ العقيدة المسيحية·· ولكن الحقيقة هي أنه ليس كذلك· بيد أن هذا لم يحل بين المؤلف وبين طرح أسئلة ذات طبيعة دينية بحتة أحيانا مثل: هل للإنسان ضمير أخلاقي أم لا؟·· وهل الواجب الأول لهذا الإنسان في الحياة هو طاعة الدين والالتزام بقوانينه أم أن هناك واجبات ومهام أخرى؟· ويمكن القول بشكل عام إن الموضوعات الأخلاقية التي يحتدم حولها الجدل في العديد من دول العالم في الوقت الراهن، قد لقيت اهتماما خاصا من المؤلف ومن هذه الموضوعات على سبيل المثال زواج المثليين، والميول الشاذة نحو الأطفال، والتشريعات التي صدرت في العديد من الدول بخصوص تقنين الشذوذ الجنسي· كما تطرق المؤلف أيضا إلى موضوع الانفلات الجنسي، وتفشي ممارسة الجنس خارج نطاق مؤسسة الزواج وغيرها·
وهو يدرس هذه الموضوعات ليس باعتبارها ظواهر اجتماعية ولكن باعتبارها تدخل ضمن نطاق ممارسة الحريات حسب المفهوم السائد حاليا للحرية في المجتمع الأميركي والمجتمعات الغربية· بعد ذلك يأخذ المؤلف قراءه في رحلة يكشف لهم فيها كيف أن الأديان بشكل عام تنظر إلى الزواج باعتباره مؤسسة مقدسة ورباطاً بين الرجل والمرأة، وأنها مؤسسة تتطلب الحب، والالتزام، والاهتمام المتبادل، وروح الأثرة، والتدبير، والاقتصاد، والتضحية، والصبر اللامحدود· وينبه المؤلف إلى أن النظرة للزواج قد تغيرت في عصرنا الحالي، بل وتغيرت أيضا الأسس التي يقوم عليها، والتي كانت تؤدي إلى استمراره في الماضي· فالطلاق السريع أصبح ظاهرة، وغدت الحرية الشخصية أو رغبة كل من الزوج أو الزوجة في التمتع بحريته الشخصية، تفوق رغبته أو رغبتها في إقامة مؤسسة الزواج أو الاستمرار فيها· وهكذا فإن الطلاق أصبح يتم بسبب خلافات تافهة في معظمها، وغدا الكثيرون يقومون بالارتباط بعلاقات جنسية في إطار نظم مستحدثة مثل تعايش الرجل والمرأة سويا تحت سقف واحد دون زواج أو دخولهما في علاقات طويلة الأجل قد يترتب عليها إنجاب أطفال أو قد لا يترتب عليها ذلك· ويتناول المؤلف أيضا الدور المدمر الذي لعبته وسائل الإعلام بمختلف أنواعها في شيوع تلك الظواهر، بل وقيامها في بعض الأحيان بالترويج لأجندات معادية للقيم الغربية التقليدية· ويتناول المؤلف أيضا الوسائل والأساليب التي تتبعها تلك الوسائل في تضليل المجتمعات من خلال النقل المتحيز، وتلوين الخبر، أو التركيز على جوانب معينة، وإخفاء جوانب أخرى للترويج لقضية ما·· كما يتطرق أيضا إلى المصاعب التي يتعرض لها الصحفيون الذين يتمسكون بقيم العدالة والإنصاف والتجرد المهني والحرفية، والذين يحاولون تقديم إعلام متوازن ونقل الحقيقة للمجتمع بلا زيف·· وهو ما يعرضهم في كثير من الأحيان للدخول في معارك حامية الوطيس مع قوى متنفذة، تسعى إلى تنفيذ أجندتها ومصالحها الخاصة من خلال الإعلام·
ويسرد علينا المؤلف كيف أن أميركا قد خدعت وتم تسويق موضوع الإجهاض لها من خلال حملة إعلامية وقحة، اعتمدت في المقام الأول على أكاذيب خيالية وتلفيقات، كما يسرد على القراء أيضا تفاصيل الحملة التي قام بها المطالبون بحقوق الشواذ، والتي حولت رؤية أميركا السابقة للشواذ من أنهم أشخاص يتبنون نمطا سلوكيا مدمرا لأنفسهم إلى رؤية أخرى تنظر إلى هؤلاء الشواذ على أنهم مرضى في المقام الأول، وأن واجب