:commentary
أميركا و الوعي الطبقي
اشتمل العدد الأخير من دورية commentary على قضايا عدة تنتمي في أغلبها إلى التنظير السياسي، الدورية تصدر شهرياً عن الجمعية ''اليهودية- الأميركية'' التي تتخذ من ولاية نيويورك مقراً لها· وتحت عنوان ''نقطة التقاء المحافظين الجدد''، استنتج تشارلز كروثامر، وهو كاتب في يومية ''واشنطن بوست''، أن ''المحافظين الجدد'' دخلوا من خلال الإدارة الأميركية الحالية مرحلة جديدة تبدت بشكل أساسي في بوادر التغيير الواضح في السياسة الخارجية الأميركية· فخلافاً للاندفاع والحماسة اللذين ميزا إدارة الرئيس بوش في فترة ولايته الأولى، لا سيما ميلها الواضح إلى استعمال القوة العسكرية في إنجاح سياساتها، بدت هذه الإدارة - التي يلعب ''المحافظون الجدد'' دوراً رئيسياً فيها - أكثر ميلاً إلى ما يسميه الكاتب بـ''الواقعية الديمقراطية'' وربطها بـ''الديمقراطية العالمية''· ويعني ذلك أن العالم، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر، وما طرأ عليه من تغيرات جوهرية يحتم علينا اللجوء إلى دعم الديمقراطية والحرص على اتساع رقعتها لتطرق الأبواب الموصدة تاريخياً في وجهها· وفي هذا السياق، لا يخفي الكاتب تأييده لإحداث ثورات ديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط تذكرنا بما حدث في أوروبا الشرقية· وعن الوعي الطبقي في الولايات المتحدة، وتحت عنوان ''هل ثمة صراع طبقي في أميركا؟''، كتب بروس بارتليت مقالاً لفت خلاله الانتباه إلى أن صحيفة ''نيويورك تايمز'' أثارت في تقارير مطولة مسألة الفوارق الطبقية في الولايات المتحدة وذلك في سلسلة ملفات حملت عنوان ''حول المسائل الطبقية'' تساءلت خلالها عن مسألة الفوارق الطبقية وتأثيرها على حياة السكان، وكان من ضمن حلقاتها تقرير بعنوان ''الطبقة لا تزال قوة فاعلة في الحياة الأميركية''· الكاتب، وهو زميل رئيسي في ''المركز القومي لتحليل السياسات''، وكان مساعد نائب وزير الخزانة الأميركي في الفترة من 1988 إلى ،1993 استنتج أنه بغض النظر عن التحليلات الأكاديمية الرصينة التي تلفت الانتباه إلى أن فقراء أميركا يزدادون فقراً وأغنياءها يزدادون غنىً، لا يمكن للأميركيين الاستناد إلى تحليلات ''نيويورك تايمز'' حول المسألة الطبقية في الولايات المتحدة· وفي هذا الإطار يكشف الكاتب عن ''الوعي المزيف'' الذي يعيق التفكير النقدي· على سبيل المثال نجد أن أغلبية سكان أميركا يؤيدون حذف الضرائب على الأغنياء، فثمة استطلاع للرأي يفيد بأن 67% من الأميركيين يرغبون في إزالة الضرائب التي تفرض على العقار، وهي ضريبة يدفعها عادة 2% من الأثرياء في أميركا· وعندما تم البحث عن السبب جاء الرد مفاجئاً إلى أبعد الحدود، حيث عبر المؤيدون عن أملهم في أن يرتقوا يوماً ما إلى طبقة الأغنياء، لذا فهم يبدون تحفظهم على فرض الضرائب على الأغنياء، وهو بالذات ما يطلق عليه ''الوعي المزيف'' الذي يجعل الفقراء يتجهون إلى قناعات أو خيارات لا تخدم مصالحهم بل تخدم مصالح عدد محدود من العائلات الغنية في أميركا·
تاريخ العرب : الرقيق والسحـر ودولـة لبنـان
اشتمل العدد الأخير من مجلة ''تاريخ العرب''، وهي فصلية محكمة، على دراسة عن ''نشوء الدولة اللبنانية ومراحل تطورها''، ويرجع كاتب الدراسة، السفير عادل إسماعيل، الفضل في ظهور لبنان كدولة إلى أحد كبار أمراء آل معن هو فخر الدين الثاني الكبير (1590-1633) الذي تولى شؤون لبنان في جبله وساحله بقرار من السلطنة العثمانية، وتمكن من تنظيم إمارته وشؤونها تنظيماً محكماً، فعرف لبنان في عهده مرحلة بناء نواة الدولة· إلا أن تجربته سرعان ما انهارت بسبب خلافه مع السلاطين العثمانيين، فحل محله بشير الثاني الشهابي عام ،1789 وحاول إعادة بناء دولة سلفه، لكنه لم يفلح ولم تساعده ظروف البلاد الداخلية ولا مواقف الولاة العثمانيين منه، وأدى سقوط العهد الشهابي وفشله إلى سلسلة من الفتن الطائفية عطلت مفهوم الدولة، ثم أصدر السلطان قرارا بإقامة نظام المتصرفية الذي اعتبر منطلقاً لقيام دولة الانتداب عام 1920 بعد دخول الجيش الفرنسي معلنا قيام دولة ''لبنان الكبير''· وهكذا، وفقا للكاتب، فإنه بقدر ما جاء قيام الدولة اللبنانية نتاجاً لتطور المجتمع اللبناني نفسه، فقد كانت انعكاساً للتقلبات التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط طوال القرون الماضية·
ويبحث بشار أكرم جميل في ''الدور السياسي للرقيق الأفارقة في الدولة العربية الإسلامية حتى القرن التاسع الهجري''، ليوضح أنه كان للرقيق دور بارز في الحياة السياسية، ولم يقتصر وضعهم في المجتمع الإسلامي على مجرد المعاملة الحسنة، بل شمل وصولهم إلى السلطة واقترابهم من الخلفاء والسلاطين، مثلما حصل مع بدر الدولة الخام الأسود، كما استلم بعضهم مناصب قيادية مثلما حدث في دولة مالي حين اغتصب ساكورة الحكم وأصبح الحاكم القوي الذي أعاد إلى مالي هيبتها· وكما كان للرقيق دور إيجابي في مجريات التاريخ السياسي للمنطقة، كان لهم بالقدر نفسه دور يحمل نوعا من المخاطر (ثورة الزنج