مرة أخرى، يحتدم الجدال في العراق حول ما إذا كان يحق للمرجعية الدينية أن تتدخل في السياسة؟ فبينما يرى البعض، أن من حقها أن تبدي رأيا في الشأن العام، على اعتبار أنها، كباقي المواطنين العراقيين، تتمتع بمثل هذا الحق الذي يكفله القانون للجميع، في إطار المساواة والشراكة الحقيقية، يرى آخرون أن للمرجعية الدينية خصوصية روحية لا ينبغي إقحامها بالسياسة لنحافظ على ألقها الديني والروحي، ومن أجل ألا تتلوث بقاذورات وأحابيل السياسة·
وبرغم هذا الجدل الحاد فإن الجميع يقر بالدور الوطني الاستراتيجي الذي لعبته المرجعية الدينية، منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الآن، إذ يعترف الجميع، مثلا، بفضل المرجع السيستاني في إنجاز ثلاث محطات مهمة هي على التوالي: منعه انجرار العراقيين وانحدارهم في منزلق الحرب الأهلية التي كادت تقع بسبب حرب الإرهاب التي يشنها التكفيريون على الشيعة بوجه خاص، ثم دوره في توكيد الخيار الشعبي في بناء العراق الجديد، وقبل ذلك إصراره على أن تتولى كتابة مسودة الدستور العراقي لجنة عراقية منتخبة·
لقد أثبتت الأيام العصيبة التي مرت على العراقيين، أن المرجعية الدينية (والسيد السيستاني على رأسها) هي الجهة الوحيدة التي تفكر بعقلية وطنية جامعة، تتعالى على الانتماءات الاثنية والدينية والمذهبية، وتقفز فوق الولاءات الحزبية والاتجاهات الفكرية، ولذلك يرى فيها العراقيون، صمام الأمان الحقيقي لصيانة حقوق كل البلاد من العبث أو التجاوز والسحق· نعم، كلنا حريصون على سمعة الدين والمرجعية الدينية، فلا نريد أن يتلوث الدين بقذارات السياسة، والمرجعية بأوساخ بعض السياسيين، ولكن في ذات الوقت، فإننا حريصون على مصالح العباد، فإلى متى تبقى هذه المصالح المقدسة أسيرة بيد كل زعيم متهتك، لا يرعى في عباد الله تعالى إلا ولا ذمة؟
نزار حيدر- واشنطن