في إحدى الندوات الطبية التي نظمت مؤخرا، أطلق رئيس قسم القلب بأحد أكبر مستشفيات الدولة تحذيرا مدوّيا حين كشف عن أن 80% من كوادر المراكز الصحية بالدولة ''غير مؤهلة'' وفي حاجة إلى ''إعادة تأهيل''· وقد قوبلت هذه التحذيرات بـ''نفي قاطع'' من جانب وزارة الصحة حيث قال وكيل وزارة الصحة المساعد لشؤون الطب العلاجي إن نسبة 80% غير صحيحة وإن الوزارة تعقد دورات مستمرة لتأهيل الأطباء والفنيين بالمراكز الصحية ولديها مراكز للتعليم الطبي المستمر، فيما قال مدير إحدى المناطق الطبية إن هناك نسبة لا تتعدى 20% من الأطباء فقط لا تلتزم بإعادة التأهيل بل وكشف عن أن الوزارة تدرس لأطبائها برنامجا يسمى ''أخلاقيات المهنة''، في حين ذهب مسؤول ثالث بالوزارة إلى أن الحديث عن هذا القصور كان صحيحا إلى حد ما قبل سنوات عدة، أما الآن فالوضع تغيّر تماما·
بالطبع يصعب الانتصار لهذا الرأي أو ذاك في ظل غياب أي معلومات دقيقة توضح أبعاد الصورة وتكشف الحقائق بشفافية، ولكن واقع الحال وما يلمسه الجمهور يمكن أن يكونا أحد معايير تقييم وجهتي النظر، خصوصا أن من دافعوا عن موقف وزارة الصحة قد ركزوا على أداء المراكز الصحية في إمارة واحدة من إمارات الدولة فقط بحكم مسؤوليتهم الإدارية عن تلك المراكز، كما أن هذه الدفاعات لم تنف في معظمها ما ذهبت إليه الاتهامات بل حاولت التخفيف من حدّتها، مشيرة إلى نسب قصور أقل بكثير من دون انتفاء القصور تماما· والواقع قد يشير إلى قصور واضح في كفاءة أطباء المراكز الصحية، بل وفي مستوى أوسع نطاقا يتعلّق بجودة الخدمات الصحية سواء قدمها القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، بدليل التزايد الملحوظ في معدلات العلاج بالخارج، ولكن المشكلة تكمن هنا في تراجع أداء المراكز الصحية وعدم مقدرتها على المنافسة وتحقيق الهدف المرجو من وراء إنشائها في مختلف أرجاء الدولة، حيث يلاحظ أن بعض هذه المراكز -خصوصا الواقعة منها خارج العاصمة والمدن الرئيسية- لا تؤدي خدمة الرعاية الصحية الأولية بشكل جيد، كما أن الكثير منها لا يعد منافسا قويا للعيادات والمستشفيات الخاصة رغم ما توفره الدولة لهذه المراكز من إمكانات مادية وبشرية، ناهيك بالطبع عن مسألة أخلاقيات المهنة وكيفية التعامل مع المرضى·
اللافت أن داء ''شخصنة'' القضايا والإشكاليات قد انتقل من عالم السياسة إلى عالم الإدارة الطبية، بحيث شعرت وزارة الصحة بحساسية شديدة إزاء الحديث عن قصور مستوى الكوادر الطبية في المراكز الصحية التابعة لها، وكان يفترض بالوزارة أو بغيرها من الوزارات التي تتعرّض لهكذا انتقادات أن تتعاطى معها بإيجابية، خصوصا أن الأمر يتصل بقضية حيوية مثل الرعاية الصحية، فالمصلحة العامة هي حافز الجميع ومحرّكهم لتسليط الضوء على أوجه القصور، والشك هو بداية طريق التطوير، وسياسة ''كله تمام'' لم تفرز سوى أمراض إدارية مستعصية·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae