رداً على د· محمد عابد الجابري
تحدث د· محمد عابد الجابري، في مقاله الأخير عما سماه الفضاءات الحضارية مميزاً بين العرب والعجم والهند والروم كنماذج مختلفة لهذا المفهوم ومنطلقاً في الوقت نفسه من تصنيفات نسبها إلى الشهرستاني المفكر الأشعري الشهير، والجاحظ الأديب المعتزلي الموسوعي· وضمن تعقيبي على هذا المقال أرى أن الدكتور ذهب في حديثه عن الهويات والأنساق العقلية والذهنية لمختلف الحضارات والشعوب مذهباً نظرياً يمكن أن يتهم بالتأملية، أو بكلمة أدق بالانفصال عن الواقع· إن تصنيفات القدامى أنتجتها ظروفهم التاريخية، والعقلية· ولكن في عصرنا الحالي يكاد يكون هنالك فضاء حضاري واحد، معولم، ومفروض من قبل وسائل الإعلام على مختلف شعوب المعمورة، ولا توجد تمايزات ثقافية أو حضارية واضحة بين أي ''فضاء'' حضاري وآخر· ثم إن التمييز الأنثروبولوجي الذي استند عليه الجابري بين مفهومي الثقافة والحضارة، أصبح هو الآخر من الماضي، فالثقافة اليوم والحضارة اسمان لشيء واحد·
بقي أن نشير ضمن هذا التعقيب إلى أن غاية د· الجابري من إيراد هذه الأمثلة لا تقل هي الأخرى عدم وضوح، ابتداء من الطالب الياباني الذي يعد أطروحة عن ظاهرة فكرة الفصل بين الروح والبدن في ثقافات البحر الأبيض المتوسط''، وانتهاء بالتصنيفات الظريفة التي استدعاها من كتب التراث وأتحفنا بها الآن مبتورة من سياقها، ولغايات منهجية ما زالت حتى الآن على الأقل في علم الغيب· أو كما كان القدامى يقولون ''المعنى في جوف الشاعر''· أولا: ليست هنالك مشتركات كثيرة في هذه النقطة بالذات بين ثقافات البحر المتوسط· فالديانات السماوية، تشير إلى ثنائية النفس والبدن، ولكن الثقافات في هذه المنطقة مع ذلك مختلفة للغاية، وإذا عدنا معها إلى جذورها التاريخية البعيدة تزداد تباعداً بشكل كبير· خذ مثلا أفكار بعض الحضارات أو الشعوب فقط في الضفة الجنوبية كالفينيقيين والمصريين القدامى والقورينائيين والثقافة البونية والبربرية إلخ··· هل كلها تشترك في هذا التمييز؟ مع أنها تدخل في ثقافة البحر المتوسط·
عبدالحميد هاشم - القاهرة