في الشهر الماضي كانت هنالك صرختان من كاتبين أكاديميين حول ظاهرة استفحلت حتى غدت سرطاناً ينهش في المؤسسات الإعلامية الخليجية، ويحولها سوقاً لكل منتج إلا الإنتاج الخليجي أو الوجه الخليجي· ولكأنَّ هذا الوجه هو الوجه القبيح في العالم، ولكأنَّ صاحبه هو الجاهل الأوحد في الكون·
الصرخة الأولى من كاتب خليجي حول المبدعين الخليجيين وظاهرة إقصائهم، وكذلك الاستعلاء من جانب بعض الأكاديميين العرب الذين -خلال الندوات- يحاولون ''تقزيم'' الأكاديمي الخليجي، ولكأنّه حرام على الخليجي أن يكون محاضراً ويأتي بفكر جديد يخالف أفكار الخمسينيات التي تم حشوها في عقول الطلبة· ظاهرة الاستعلاء للأسف موجودة ضد كل ما هو خليجي·· ويأتي العديد من الإخوة العرب إلى هذه المنطقة وفي فكرهم شيء واحد هو أنهم المتعلمون·· وأن أهل المنطقة جهلاء، وهذه النمطية ظلت منذ الخمسينيات وحتى اليوم· وغاب عن هؤلاء أن هناك جيلين -على الأقل- درسوا في جامعات أميركية وأوروبية وتعلموا فنون القول والبحث والتحليل، ما يمكن أن يتفوقوا به على نظرائهم العرب الذين نهلوا علوماً محدودة في جامعات عربية متواضعة·
الصرخة الثانية، من كاتب آخر حول إقصاء الخليجيين من الإعلام الخليجي، رغم صرف الأموال الطائلة من الخزائن الخليجية· وما أدى ذلك إليه من ''اضطراب الخطاب'' أو عدم وجود خطاب أصلاً، حيث يصل الكاتب أن الخطاب الإعلامي ''يتناقض'' مع سياسات تلك الدول التي تملك هذه الفضائيات· نحن هنا أمام معضلتين أو إشكاليتين واضحتين:
الأولى: تهميش المبدع الخليجي·· سواء كان شاعراً أم ناقداً أم مذيعاً أم مخرجاً! والثانية: نوعية الخطاب الإعلامي الخليجي!
بالنسبة للإشكالية الأولى: نلاحظ أن هنالك حالات إقصاء للمبدع الخليجي، لا ألقي اللوم فيها فقط على حالات ''المزاحمة'' غير المشروعة وغير ''الأخلاقية'' أحياناً، من جانب بعض العرب الوافدين، لكنني أضع اللوم أمام أصحاب القرار الإعلامي أنفسهم· ولعلنا نلاحظ أن المبدعين -في فنون الإعلام والإبداع عموماً- يُقصَوْنَ من وظائفهم ويُحرمون من أداء أدوارهم الاجتماعية والعلمية بمجرد حصولهم على درجة الدكتوراه، وأجدني في حِلٍ من ذكر أمثلة· وهذه نقطة مهمة تجعلنا نتساءل: إذا كان المؤهَّلُ الذي قضى سنوات عمره في البحث والتحليل لا يصلح لأن يُدير جهازاً إعلامياً، أو يرأس جريدة محلية، فهل يصلح الميكانيكي أو المهندس لقيادة مؤسسة إعلامية خليجية دون أن تكون لديه نصف خبرة الخليجي أو نصف مؤهلاته؟! وهل عامل السن وتنوع الخبرة لا يحسبان في مثل هذا التعيين؟
ونظراً لإحاطة -بعض المسؤولين- أنفسهم بأنصاف المتعلمين أو أنصاف المؤهلين -الذين لا يسببون لهم ''صداعاً''- فإن الخطاب الإعلامي للمحطات أو دور الصحف نجده ضبابياً، إن كان هنالك خطاب أصلا! بل نجد -كما قال الزميل- تناقضاً بين الخطاب الإعلامي والممارسة السياسية لذات البلد·· وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى كارثة عند حدوث الأزمات! ولن نتحدث هنا عن ''السرقات'' التي يمكن أن تحدث في ظل غياب الروح الوطنية، أو الأمن المهني في تلك المؤسسات، تلك السرقات التي يتم التكتم عليها· هذا التغافل المقصود -من قبل بعض مرضى الإعلام- هو الذي أوجد المناخ الملائم لانتشار من لا مهنة لهم ليكونوا إعلاميين وإن لم يدرسوا أي درس في الإعلام! بل إن بعضهم لم يكمل الثانوية وتم تلميعه ليكون الناطق الرسمي باسم الإعلام، ولترتفع صوره -للأسف- دون أن يمتلك أدنى مقومات الإعلامي، سوى ''الحظوة'' لدى صاحب القرار· وينطبق ذلك على المبدع·· صاحب الفكر المستقل الذي تُعاديه الثقافة الرسمية والإعلام الرسمي دون حق·· ودون مبرر!
أما عن الإشكالية الثانية، وهي الخطاب الإعلامي الخليجي، ومعه الخطاب الثقافي، نلاحظ أن القائمين على الصفحات الثقافية في صحف الخليج من غير الخليجيين، وهذا يطرح تساؤلات عدة حول اتجاهات الصفحات هذه ونوعية الخطاب المطروح· كذلك اتجاهات البرامج الثقافية في الإذاعة والتلفزيون -هذا إن كانت هنالك برامج أصلاً- حيث إن جلّ المحطات يركز على الأغاني وسياسة الإلهاء المقصودة، وإجهاض الدور التنويري للمثقف الخليجي والعربي عموماً، وتوجيه المجتمع نحو الاستهلاكية والإنهاك الإبهاري، ما يجعله غير قادر على استيعاب القضايا الفكرية الخاصة بحياته ومستقبل أبنائه، بل وبممارسة دوره في المجتمع· وهذا ما يجعله أسير اليأس أو رهين سوق الأوراق المالية مضارباً في ما جمعه من ''تحويشة'' العمر، ضارباً عرض الحائط بمبادئه ودوره في الحياة عندما يصطدم بقوة أكبر منه، لا يستطيع مواجهتها·
ففي غياب المواطن عن القرار الإعلامي والثقافي نجد أن الخطاب يسير طبقاً لمؤهلات وتوجهات القائم على ذلك الشأن·· فإن كان يحب الشعر نجد الصفحات كلها شعراً، وإن كان يحب القصة نجد الصفحات قصصاً·· وهكذا· أما المحطات الفضائية ومحطات الـ F.M فلا يوجد فيها خطاب أصلاً·· ولعل الاتهامات التي ترددها وسائل الإعلام الغربية عن توجهات بعض الفضائيات ليست بعيدة عن الح