ها هو الخوف يدب الآن، فمع ارتفاع أسعار النفط العالمي، وبلوغ سعر البرميل الواحد، ما يزيد على 60 دولاراً في الأسواق العالمية، إلى جانب التكهنات التي تتوقع أن يصل سعر البرميل الواحد قريباً إلى نحو 80 دولارا أو حتى 90 أو 100 دولار، مقترناً بتراجع الاحتياطيات النفطية العالمية في ذات الوقت، فمن الطبيعي أن يدب الذعر إلى الساسة وأصحاب الأعمال، في مختلف أنحاء العالم· واحتجاجاً على التداعيات الاقتصادية المترتبة عن هذه الزيادة الكبيرة في أسعار النفط، فقد شهدت الكثير من مدن وعواصم العالم، مظاهرات عبر خلالها المتظاهرون عن سخطهم على الغلاء والزيادات التي شملت الكثير من السلع، نتيجة لارتفاع أسعار الوقود· وليس ذلك فحسب، بل بدأ الاقتصاد العالمي في مجموعه، يشهد تباطؤاً، بينما يسري الحديث والشائعات في كل مكان تقريباً، عن تراجع -أو حتى كساد عالمي- على حد قول الاقتصاديين المختصين الذين يقدرون له أن يستمر لبضعة عقود مقبلة·
وهكذا نستيقظ فجأة على حقيقة أن عالمنا كله إنما يسير بطاقة النفط، وأن حضارتنا هي حضارة نفطية في الأساس! فنحن ننبت المحاصيل الزراعية التي يعتمد عليها غذاؤنا، بواسطة استخدام الأسمدة والمبيدات البترولية- الكيماوية· وكذلك الحال مع منتجاتنا وصناعاتنا البلاستيكية والصيدلانية وملابسنا وغيرها، والتي تقوم جميعها على النفط· وبالقدر ذاته تعتمد مواصلاتنا وكافة مصادر الطاقة الكهربائية والتدفئة والإضاءة··· إلى آخره، على النفط! وقد أحسن الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون حين وصف هذا النمط الاقتصادي بعبارة ''الاقتصاد الغبي''· والشيء الرئيسي الذي بدأنا ننتبه إليه الآن، أن اقتصادنا إنما يقوم في معظمه على النفط· وبهذا المعنى فإن غباء الاقتصاد، إنما هو مستمد من اعتماده المفرط على النفط· وفي الوقت الذي يحك فيه قادتنا رؤوسهم وينهمكون في إطلاق التصريحات الصحفية المحمومة والمتواترة، عن تجليات الأزمة النفطية، يتلقى ملايين المستهلكين صفعة اقتصادية قاسية، جراء انتشار موجة الغلاء الطاحن الذي ضرب حياتهم، نتيجة للارتفاع الكبير الطارئ على أسعار الجازولين والوقود الذي تعتمد عليه تدفئة منازلهم·
ولكن المؤسف أن أزمة النفط هذه، ليست بالأزمة العابرة التي يتوقع لها أن تنحسر بين عام وآخر· والشاهد أنها أزمة دائمة، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وسوف تبقى كذلك، إلى أن يجيء اليوم الذي نتغلب فيه على أنفسنا، ونمضي إلى فطام الذات عن هذا الاعتماد المفرط على النفط ومصادر الوقود الحفري· هذا وتظل الحكومات بحاجة ملحة إلى تطبيق مجموعة من الاستراتيجيات الرامية إلى رفع كفاءة استهلاك الطاقة، بما في ذلك خطط الضرائب وسياسات الدعم الحكومي والحوافز الاقتصادية وإنشاء الشراكات مع الصناعات والاستثمارات والمجتمعات المحلية وملاك البيوت والعقارات، بغية الانتقال التام إلى مجتمع يتمتع بدرجة عالية من الكفاءة في استهلاك الطاقة· وعلى حد التقرير الأوروبي المعنون ''الورقة الخضراء حول كفاءة استهلاك الطاقة''، فإن أوروبا وحدها ستحظى بمليون وظيفة جديدة من هذه الوظائف·
وعلى رغم التقدم الكبير الذي يمكن أن تحرزه سياسات واستراتيجيات كهذه، في توفير الطاقة ورفع كفاءة استهلاكها، بما يعني الحد من أزمتها الراهنة، إلا أن هذه الاستراتيجيات، تظل عاجزة عن إخراج المجتمع البشري من دوامة أزمة الطاقة التي لا تنفك تتكرر بين الحين والآخر· ولذلك فإننا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد، واتخاذ التدابير اللازمة والكفيلة بوضع حد لاعتماد المجتمعات البشرية على النفط والطاقة الحفرية· ولن يكون لهذه الجهود أي معنى، ما لم نتجه إلى موارد الطاقة البديلة القابلة للتجدد، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ومصادر الطاقة الجيو-حرارية، وطاقة الهيدروجين، والبيوماس· أما النظام الاقتصادي القادر على احتواء كافة هذه المصادر الجديدة وتطويرها وتوسيع استخداماتها، فهو ''اقتصاد الهيدروجين'' الأخضر· أقول هذا استناداً على مدى كفاءة هذا النمط الاقتصادي، وقدرته على إخراج العالم والبشرية من دوامة أزمة الطاقة الحفرية، التي ما استطاع الفكاك منها، على رغم الجهود والمحاولات الكثيرة التي بذلت في هذا الاتجاه· كما تستند هذه الدعوة على قناعتي بقدرة اقتصاد الهيدروجين، على تخليص العالم من كارثة الارتفاع الحراري الشامل، والتي باتت تهدد مناخه وبيئته، مما يعني تهديد الحياة كلها في كوكبنا·
لكن ومن أجل ترجمة هذا النمط الاقتصادي الجديد إلى واقع وبديل ملموس، فإنه لابد لنا من طرح الأسئلة العملية؛ مثل كيف سيجري تمويل اقتصاد الهيدروجين؟ وكيف تتوفر البنية التحتية التي يحتاجها؟ وفي الإجابة على مثل هذه الأسئلة، فإنه لمن الأهمية بمكان، أن تولى عناية خاصة لعدة اعتبارات، منها على سبيل المثال، سن التشريعات القاضية بإحداث تغيير جذري في النظام الضريبي المعمول به حالياً· والفكرة هنا أن تفرض ضرائب باهظة على التطبيقات والأنشطة الاستثمارية المدمرة للبيئة، مع توجيه وتوظي