قليلة بل نادرة هي النتائج ''الهاتفية'' التي يمكن أن يتوصّل إليها جمهور المتعاملين مع بعض الأجهزة الحكومية، فتخصيص هواتف استعلامات للجمهور شيء والتجربة العملية شيء آخر، فهناك بالفعل هواتف استعلامات حكومية لا تردّ، وهناك هواتف استعلامات، مهمّة الشخص المكلف الرّد عليها تحويل المتصل إلى أي هاتف داخلي، لا يجيب دائماً، وإن شاء حظ المتصل العاثر أن يعاود الاتصال مجدداً فلن يجد سوى طريقة المعاملة ذاتها، أمّا إذا تمادى وعاتب الشخص الذي ردّ عليه فذلك له عقاب من نوع آخر· والأدهى من ذلك أن آفة تجاهل الجمهور قد أصابت شركات خدمية أنشئت خصيصاً لتقديم إسهام حضاري في تخفيف المعاناة والمشقة عن الجمهور مثل خدمة ''إمبوست'' التي تخصّص رقما هاتفياً واحداً فقط في أبوظبي على سبيل المثال للرّد على استفسارات المتعاملين معها، في ما يخصّ معاملات الجنسية والإقامة، وحتى هذا الرقم لا يجيب طيلة اليوم إما بسبب انشغاله الدائم أو بسبب عدم وجود من يردّ على الهاتف! اللافت أن هذه المعاملة الهاتفية السيئة تجدها في دوائر خدمية حيوية عديدة، والغريب أيضاً أن بعض الدوائر الحكومية تخصّص ''كاونترات'' كثيرة لإنهاء المعاملات، ولكن فلسفة تقديم الخدمة وأهدافها غائبة تماما عن الأداء، حتى أن هناك مكاتب استعلامات أمامية مهمّتها إرشاد الجمهور وتقديم المعلومات الدقيقة ولكن الممارسة الفعلية تكشف سوء أداء معظم هذه المكاتب بسبب تجاهل الوزارة أو الجهة الحكومية لأهمية هذه المكاتب وبالتالي تخصيص موظفين جدد أو عديمي الكفاءة أو متكاسلين لها، بحيث تحوّلت هذه المكاتب مع مرور الوقت إلى ''واجهة'' سيئة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تضطلع بأي دور فعلي، ما يضطر المتعاملين إلى الانتظار طويلا والاصطفاف أمام منافذ تقديم الخدمات لمجرد الاستفسار عن معلومة بسيطة! أمّا عن جدّية استخدام الحاسب الآلي والاستغناء عن الملفات الورقية وأيضا جودة أداء موظفي الكاونترات فحدّث ولا حرج، سواء من حيث طبيعة التعامل مع الجمهور أو من حيث المعدل الزمني لأداء الخدمة، ويبدو أن هناك غياباً تامّاً للمعايير والمعدلات الإحصائية في محاسبة هؤلاء الموظفين من خلال آليات ثواب وعقاب حقيقية تحاسب من يقصّر وتحفّز من يجيد وإلا فلن يحدث حراك يذكر في مستوى الأداء في القطاعات الخدمية·
مؤخراً افتتح الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مركزا حضاريا متطوّرا لتقديم الخدمات في المنطقة الغربية، والمأمول أن تستوعب بعض أجهزتنا الحكومية فلسفة العمل في هذا المركز وأن تترجم أي خطط وأفكار عن تطوير أداء الخدمة إلى واقع فعلي يلمسه الجمهور بدلا من الاكتفاء بتغييرات شكليّة لا تسهم في تحسّن نوعي في أداء الخدمات· ولا نقول بالطبع إن جميع الأجهزة الحكومية تعاني قصوراً في أداء الخدمات للجمهور، فهناك أمثلة نموذجية مشرّفة، ولكن هناك بالمقابل دوائر ووزارات ومؤسسات بعينها لم يزل التعامل معها يمثل وجهاً من أوجه المعاناة·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae