أحداث الحادي عشر من سبتمبر وضعت المسلمين في خانة الشك، وبعد أن التقطت الإدارة الأميركية أنفاسها بدأت محاولات ترميم الأخطاء والسعي إلى فهم الأسباب والأبعاد لتصاعد مشاعر الكراهية· إحدى الخطوات المهمة تجسدت في إنشاء مراكز ثقافية أميركية أو ما يطلق عليه الكورنر الأميركي·
طلبت مني السفارة الأميركية في الكويت النظر بإمكانية قيام زاوية أميركية في كلية العلوم الاجتماعية، وما كان مني إلا القبول بالفكرة ودعمها حيث إنني من الداعمين لبرامج التواصل بين الشعوب، خصوصا أن الولايات المتحدة لم تنجح في دعم علاقاتها مع منظمات المجتمع المدني واقتصرت علاقاتها على الحكومات وإن كانت لا تحظى بقبول شعبي·
مشاعر الكراهية ليست بالضرورة موجهة للإدارة الأميركية، بقدر ما تكون موجهه كذلك لحكومات دول المنطقة العربية أو الإسلامية، حيث تحظى هذه الحكومات بدعم كبير من الإدارة الأميركية· إذن أميركا عليها أن تعيد تقييم علاقاتها مع شعوب المنطقة وأن تبذل جهودها في حث حكومات المنطقة على مزيد من الانفتاح السياسي وتأكيد مبادئ العدالة الاجتماعية·
أتذكر في أحد اللقاءات مع الوزير الأميركي السابق كولن باول، أننا أبدينا انزعاجنا من تجاهل شعوب المنطقة وأنه آن الأوان لمد جسور التعاون مع منظمات المجتمع المدني· لم يعارض الوزير الأميركي الفكرة، بل كان متحمساً لها ومتفهماً لمثل هذه المطالب· وأبدى تجاوباً منقطع النظير عندما قال إننا نسعى إلى تغيير سياساتنا الخارجية حيث أحداث الحادي عشر من سبتمبر غيرت الكثير من توجهاتنا حيال كثير من القضايا· أعتقد شخصيا أن الصورة الأميركية في العقل العربي منحصرة في القوة العسكرية بينما للولايات المتحدة أعمال خيرة وبالتالي فإن التأكيد على قنوات التواصل الثقافي يعد إحدى أهم الخطوات الفعالة في إعادة تصحيح العلاقة الأميركية العربية والإسلامية·
بعد أن بدأت الإدارة الأميركية ممارسة ضغوط على أصدقائها، أبدت بعض الدول تفهماً واتخذت خطوات عملية وكان من أهمها التنازلات التي قدمها الرئيس مبارك، بل ما كان لحزب الغد أن يمارس نشاطه لولا الدعم العالمي الذي حظي به·
الزاوية الأميركية في جامعة الكويت بدأت نشاطها عبر برامج ثقافية متنوعة تهدف إلى تأكيد قنوات الحوار والتفاهم وهي خطوة تصب لصالح شعوب المنطقة، وعلينا دعمها وتطوير آلياتها حيث إننا بحاجة إلى مثل هذا التواصل الثقافي الذي لم نعره أهمية لعقود طويلة·
العلاقة مع الآخر أحد أهم المحاور في تأكيد التواصل الثقافي، إلا أنه كذلك على الإدارة الأميركية التفكير جدياً في التواصل الثقافي الداخلي· بمعنى أن أميركا مطالبة كذلك بتصحيح مفاهيم الداخل، حيث النمطية للصورة العربية مازالت تجد دعماً كبيراً من وسائل الإعلام الأميركية، وإنه لا يمكن لأميركا أن تعيد علاقاتها مع شعوب العالم إلا من خلال إعطاء أهمية لما تبثه وسائل إعلامها ضد هذه الشعوب·
ما جعلني أتلمس الخلل هذا يتجسد من تجربتي الشخصية حيث سلطت وسائل الإعلام على قضية ابنتي فقط لأنها عربية وذلك بالرغم من أنها تحمل الجنسية الأميركية، وبالرغم من أن حوادث الدهس خلال فترة وجودي تجاوزت العشرة إلا أنني لم أشاهد أي متابعة إعلامية لها·
الماكينة الإعلامية ضخمة وذات أثر كبير في الرأي العام وإن استمرارها في تأكيد النمطية ضد العرب والمسلمين لن يكون في صالح العلاقات الأميركية العربية· وبما أن أميركا بدأت حملتها الثقافية خارج حدودها، فأعتقد من الأحرى أن تبدأ حملتها الداخلية في تصحيح مفاهيم شعبها وإلا ستصبح جهودها غير ذات جدوى·
ربما لا تصبح المفاهيم الأميركية عن الصورة العربية فقط من مسؤولية أميركا وإنما كذلك مسؤولية عربية، فالبلاد العربية بإمكانها أن تبدأ التفكير في الوصول إلى الرأي العام الأميركي عبر آليات عقلانية قادرة على مخاطبة عقول الناس وليس الدعاية السمجة التقليدية التي اعتدنا عليها من إعلامنا العربي·