في شتاء عام 2000 سقطت الطفلة الألمانية مارغريتا البالغة من العمر ثلاث سنوات في نهر النيكارز، وحينما ابتلعتها الأمواج كانت درجة الحرارة في الماء عشر درجات، وبين صراخ الأهل وقدوم الإسعاف تطلبت عملية الإنقاذ خمساً وأربعين دقيقة· وأمام ألم الأم وفجيعة الأب حاول فريق الإنقاذ أن يبذل قصارى جهده في عملية الإنعاش، وهي في العادة نصف ساعة وتعتمد وصل الرئة بجهاز التنفس الاصطناعي، وتمسيد القلب، وحقن الأدرنالين، وضرب القلب بالصعقات الكهربية، وبعد مرور ثلاثة أرباع ساعة وكأنها الدهر ذهل الفريق الطبي أمام استيقاظ الطفلة من الموت الوهمي، بدون أي خلل عصبي، فخلايا الدماغ والقلب يبدو أنها تحفظ من التلف تحت تأثير الماء البارد·
وهذه الملاحظة من حفظ الحياة بالتبريد قام بها الطبيب (بيتر سافار) في بيتسبورج في أميركا لإنقاذ الموتى من قبضة الموت بالتبريد، فقام بفصد كلاب التجربة كلية، وحقن الدوران العام بماء ملحي تهبط فيه درجة حرارة الجسم إلى عشر درجات· وأثناء هذا يكون قد سحب كامل الدم الدافئ إلى مستودع لبنك الدم لمعالجته بالأكسجين المشبع وشيء من السكر· أثناء هذا يغرق بدن الكلب تدريجيا في كهف صقيعي؛ فيتوقف القلب عن الخفقان، والرئتان عن التنفس، والدماغ عن النشاط، وهذا يعني في عرف الطب التقليدي موتاً بلا رجعة، ولكن الدكتور سافار عمل ما يشبه المعجزة حين أعاد الحياة إلى الحيوان، برفع درجة حرارته، وصعقه بالكهرباء بعد ثلاث ساعات، فعاد القلب يضرب والحيوان يزفر والدماغ يبث الوعي مجددا·
كل هذا ليثبت للعلم أن الميت إن تم تداركه في عالم البرزخ فيمكن أن يعاد إلى الحياة، بشرط فهم آليات موت الخلايا والبدن، وهنا فإن التبريد يلجم عمليات الاستقلاب كلية ويوقف عملية الاحتراق، فيوقف حركة البدن باتجاه الموت النهائي وكأنها الساعة التي تم توقيفها عن رنين الموت!
وفي الواقع فإن الحنين للخلود ومصارعة الموت قديم قدم البشرية، ولكن الطب يختلف عن الأحلام فهو يكتشف آليات عمل البدن كما يكتشف عمل آلة·
وأفكار الطبيب (بيتر سافار) حرضت مخيلة الكثيرين من فرق البحث الطبي، وحاليا يعمل فريق مزدوج بين ماساشوست الأميركية والنمسا على طريقة رائعة لإنقاذ مرضى شتى سواء الشباب في الحوادث أو المسنين في توقف القلب، كما فعل (بيتر سافار) بتفريغ الدم وحقن البدن فورا بسائل ملحي بدرجة حرارة اثنتين مائوية؛ فيحدث هبوط صاعق للحرارة ويدخل المصاب بموت ظاهري وما هو بموت·
والفرق بين العمل على قلب المريض بالطريقة القديمة والجديدة مثل الفرق بين الموت والحياة، فقد لوحظ أن تبريد الدماغ إلى ثلاثين درجة أي أقل من الحرارة الطبيعية بسبع درجات وفي فترة سريعة لا تزيد على 28 دقيقة ينجي الدماغ من الموت النهائي في 87% من الحالات، فيصمد عشرين دقيقة على الأقل، أما تنزيل درجة الحرارة إلى عشر درجات فهو يرفع حظوظ النجاة أكثر، ويمكن للدماغ أن يبقى على قيد الحياة 120 دقيقة أي ساعتين أو يزيد، وهي فترة كافية لخياطة الجروح النازفة، أو العمل على قلب ميت بزرع شريان في القلب، أو نزع جلطة، أو صعقة بالكهرباء تجاه حياة تتلاشى في لحظات، خلافاً لأبجديات الطب التي تقول إن توقف التنفس وضخ الدم عن الدماغ لا يتحمل أكثر من خمس دقائق في أحسن الأحوال·
مع هذا فهو لا ينفع في عمالقة المال الذين يحفظون أجسادهم مبردة بدرجة حرارة 196 تحت الصفر، لأن الماء داخل البدن يتحول إلى ثلج منتفخ فيحطم الخلايا؛ فلا رجعة من الموت·
وفي القرآن قصة معبرة لأصحاب الكهف، عن الاستمرار في الحياة، بقوانين كونية، من شمس تزاور عن كهفهم، وأجساد تقلب، وفجوة من براد كوني، فعاشوا ثلاثة قرون ليبعثوا، ويظنوا أنه يوم أو بعض يوم·
ومع الموت يتوقف الزمن، ومن يموت اليوم وبعد مليار سنة؛ سيبعثون في لحظة واحدة فيقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا؟