حرب تحرير العراق من الطغيان والاستبداد وسنوات الظلام الدامس، سالت فيها دماء عربية، وأنفقت عليها أموال عربية، وسخرت لأجلها موارد عربية·· وكان الهدف أن يستعيد العراق عافيته وأن يعود إلى الساحتين العربية والعالمية قويا مؤثرا، وكان الهدف أيضا أن يستعيد الشعب العراقي أحلامه المشروعة في حاضر آمن ومستقبل مشرق· ولكن ما حدث ويحدث في العراق حوّل الأهداف النبيلة إلى واقع مؤلم تُدمى له قلوب كل العرب، بدوهم وحضرهم، كبيرهم وصغيرهم·· فالأرواح البريئة تزهق كل يوم، والقتلة يمارسون كل أشكال الترويع بدماء باردة، والحكماء والعقلاء منشغلون بخلافاتهم غير عابئين بالزمن ولا بالأحداث التي تنذر بالأسوأ·
العراق اليوم أحوج ما يكون إلى أصدقاء وليس أعداء، أحوج ما يكون إلى دول الجوار القريب والجوار البعيد·· ولكن المشهد السياسي يعكس غير ذلك ويذكرنا في بعض تفاصيله، عبر لغة خطاب غير مألوفة في الأعراف الدبلوماسية ولا في العلاقات الدولية، بحقبة الستينات التي تحتفظ في ذاكرتها بصورة الزعيم الذي يحتكر كل الحقيقة وينصب نفسه وكيلا حصريا للصواب·
المشهد السياسي العراقي بعد التخلص من الحقبة الصدامية المقيتة يكشف بجلاء توترا شديدا مع معظم دول الجوار، واتهامات وتهديدات تتجاوز في صياغة عباراتها كل الأعراف، وهي حالة تنسحب على العلاقات مع سوريا والكويت والسعودية وتركيا وإيران وحتى مع الأردن التي نالها قبل فترة نصيبا وافرا من سهام التهديد والتنديد·
الحقيقة التي نأمل أن يدركها كل حكماء العراق وساسته أن أحدا لا ينكر عليهم عراقة الحضارة العراقية، وأن أحدا لا يسعد بما يحدث فيه·· ولكن في المقابل فإن أحدا لا يقبل منهم أن ينكروا عليه حضارته·· خصوصا هؤلاء الذين قدموا عن حب الكثير من أجل حرية العراق وعزة أبنائه·
وإذا كان العراقيون يتساءلون ـ ومعهم الحق ـ عن غياب الدور العربي والعون العربي والتواجد العربي على الساحة العراقية في محنته الحالية·· فإننا نتساءل معهم عن جدوى الخطاب السياسي العراقي الحالي في التعامل مع دول الجوار·· وعن جدوى فتح بؤر جديدة للتوتر مع الأشقاء·· وعن جدوى القسوة المفرطة التي تصل إلى حد التجريح والتي لا تترك مجالا للحوار أو التفاهم ولا تفسح مجالا لتبديد المخاوف والرد على التساؤلات·