صورة الفلسطيني والقضية الفلسطينية في الإعلام الغربي تحتاج إلى جهود لتعديلها وأنسنتها لتعظيم الاستفادة من المناخ المهيأ لتوفير دعم شعبي إضافي لفلسطين· وقبل التطرق إلى بعض الأفكار وطرحها للنقاش مما يمكن تطبيقه، يتوجب الإشارة ابتداءً إلى أن هذه الأفكار والنقاش حول أهمية الإعلام الموجه للغرب وللعالم عموماً تنطلق من القناعة بأهمية الرأي العام العالمي رغم يأس الكثيرين منه· والقناعة بأن استمرارية الاشتغال عليه هي ضرورة دائمة ومشروع طويل المدى ويجب ألا نصاب بالإحباط من بطء تحركه على الصعيد الفلسطيني· وعلينا أيضاً أن نتذكر أن هذا الرأي العام الغربي والعالمي عندما تصل به الأمور إلى نقطة التحرك باتجاه قضية ما فإنه يكون مؤثراً بفعالية، ولعل المظاهرات المليونية ضد الحرب في العراق أكبر دليل على ذلك· صحيح أنها لم توقف الحرب، لكنها خلقت مناخاً عولمياً ضدها ما زالت إدارة بوش تعاني منه للآن، كما أنها كانت على وشك النجاح في إحباطها قبل أن تبدأ· هناك الكثير مما يقع في نطاق القدرة على التنفيذ والتطبيق لتحسين الصورة الفلسطينية، ومن ذلك مثلاً:
أولاً: ثمة حاجة ماسة إلى ما يمكن تسميته ''كسر الكاميرا الفلسطينية القاتلة'' واستبدالها بكاميرا مسؤولة، ومعنى ذلك الإشارة إلى أن معظم الصور إن لم يكن كلها التي تأتي من داخل فلسطين هي مأخوذة بكاميرات فلسطينية ومن قبل مصورين فلسطينيين· صحيح أنهم يشتغلون لوكالات عالمية، لكن التقاط الصور البشعة وغير المعبرة يتم بأيديهم· ففي سباق البحث عن الإثارة، لا تلتقط هذه الكاميرا صوراً جاذبة، صوراً تؤنسن الفلسطيني وتتحدى الصورة النمطية المأخوذة عنه· وصحيح أيضاً أن الصورة البشعة، التي فيها دم وقتل، وفيها ملثمون وصراخ عالٍ، هي أكثر إثارة للإعلام، خاصة الغربي، لكن هذا التحدي يجب أن يُخاض· ويجب أن يتوقف السباق غير المهني وغير الوطني على تشويه الصورة وتقديم خدمة مجانية لاستراتيجيات الإعلام الإسرائيلي التي تتصيَّد ما يأتيها عن الفلسطينيين لتديم تشوه الصورة، وتديم أسر الفلسطينيين في سجنها التصويري، كما تأسرهم في سجونها الحقيقية· كسر الكاميرا القاتلة يتم عبر ترقية وعي الإعلاميين الفلسطينيين سواء المستقلين، أم العاملين في المؤسسات الرسمية، أم التابعين للفصائل، وعبر دورات تدريبية تشرح الضرر الكبير الذي تحدثه الصورة في كل مكان، وأنها أخطر من الرصاص في إيلام الفلسطينيين في كثير من الأحيان·
ثانياً: هناك حاجة ماسة إلى ترقية الوعي الإعلامي عند الفصائل الفلسطينية المتنافسة، والتي يأخذ تنافسها أشكالاً استعراضية وإعلامية يرافقها ضرر إعلامي كبير في الغالب· يندرج في ذلك محاربة ظواهر التلثم والمسيرات الغرائبية في الشوارع، والتشاوف بالأسلحة سواء أكانت حقيقية أم تمثيلية لأنها تُظهر الفلسطينيين وكأنهم مجموعات من العصابات المنفلتة، وليسوا شعباً يريد التحرير والحياة الطبيعية·
ثالثاً: وعلى مستوى أعلى، سواء في جانب السلطة أم الفصائل، هناك حاجة إلى دماء جديدة وشابة تكون ناطقة رسمية فلسطينية، تنقل وعياً وخطاباً جديداً وليس كلاسيكياً· ويتضمن ذلك اعتماد ناطقات فلسطينيات يتحدثن مع الإعلام بعدة لغات وبخطاب إنساني، مع ضرورة الاهتمام بالصورة والحضور ونوعية هؤلاء الناطقات· ومن المفيد هنا الإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي، بوحشيته المعروفة، يعتمد في الكثير من الأحيان على ناطقات باسمه وذلك للتخفيف من قسوة وجبروت صورته الخارجية·
رابعا: إنشاء مركز لمراقبة الإعلام الإسرائيلي ونشر المواد التحريضية والعنصرية التي ينشرها، على غرار مركز ''ممري'' في واشنطن لإيغال كامرون، وعلى غرار الموقع الإلكتروني المؤثر
Dishonest Reporting
فمن المهم توثيق ما ينشره ذلك الإعلام من مواد تحريضية ومعادية للعرب والفلسطينيين، وتوفيرها لوسائل الإعلام الغربية (التي لا تهتم كثيراً بالإعلام العبري)، وكذا توفيرها لصناع القرار في البلدان المهمة·
خامساً: الاستفادة من الجاليات الفلسطينية في المهجر، وتوظيف طاقاتها، بالتعاون مع السفارات الفلسطينية، في مراقبة الإعلام في أماكن تواجدها، والضغط المنظم على وسائل الإعلام عن طريق الاجتماع بالمسؤولين فيها ومناقشة المواد التي تنشرها تلك الوسائل· ومرة أخرى تفيد الإشارة هنا إلى ما تقوم به الجاليات اليهودية من مراقبة متواصلة للإعلام المحلي في البلدان التي تتواجد فيها، وما تقوم به من حملات ضغط على كل وسيلة إعلامية ترى تلك الجاليات أنها ''منحازة'' ضد إسرائيل· وتتمثل تلك الحملات بآلاف الرسائل والاتصالات الهاتفية وزيارة مسؤولي الوسيلة الإعلامية المعينة وتوفير معلومات ''مضادة'' وسوى ذلك، وهي جهود تقوم على أسس تطوعية في المقام الأول·
أما على مستوى مضامين الخطاب الإعلامي الفلسطيني فمن الضروري الالتفات إلى المسائل الملحة التالية:
أولاً: العودة إلى جذر الصراع مع إسرائيل (back to basics) في الخطاب الإعلامي، أي بكون الصراع قام ويقوم على احتلال كولونيالي بدأ