شهد الأسبوع الماضي زيارة كارين هيوز مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الدبلوماسية العامة إلى بعض دول المنطقة، بغرض تلميع صورة الولايات المتحدة لدى الشعوب العربية· والحقيقة أن المرء يشفق على السيدة هيوز من جسامة هذه المهمة التي تعثر على عتباتها أشخاص كثيرون قبلها، إذ تم بعد أحداث 11 سبتمبر مباشرة تعيين شارلون بيرز، وهي خبيرة دعاية، في نفس الوظيفة ولكنها اصطدمت بسرعة مع مصاعب لا حصر لها جعلتها تنسحب بجلدها بعد عام ونصف فقط، مشيَّعة بانتقادات ومآخذ عديدة، بحجة تجرئها على انتقاد ما اعتبرته انحيازاً أميركيا واضحاً لإسرائيل· وجاءت بعدها مارغريت تاتوايلر، التي انسحبت هي الأخرى بعد ستة أشهر فقط، على رغم مهاراتها الواسعة ولسانها الفصيح· وأخيراً وقع اختيار الرئيس بوش على الصحفية كارين هيوز المعروفة هي الأخرى بأنها من أشد مستشاري الرئيس الأميركي قرباً منه منذ كان حاكماً لولاية تكساس·
الأميركيون الذين تساءلوا بعيد هجمات سبتمبر سؤالهم الذي بات شهيراً:''لماذا يكرهوننا؟''، كانت معظم الإجابات التي توصلوا إليها خاطئة بكل بساطة· لماذا؟ لأن السؤال نفسه طرح خطأً هو الآخر· من قال إن العرب والمسلمين يكرهون أميركا؟ على العكس فملايين الشباب العرب والمسلمين يتعلقون بالحلم الأميركي، ويتطلعون إلى السفر والدراسة أو حتى الهجرة إلى أميركا، وطوابير طالبي التأشيرات أمام السفارات تقول كل شيء· كان وجه الخطأ واضحاً في السؤال، وفي الإجابات بطبيعة الحال، ولكن ليس معنى هذا الكلام أيضاً أن مشاعر معظم العرب والمسلمين تجاه سياسة أميركا في المنطقة على أحسن ما يرام· خاصة في ما يتعلق بالانحياز الأميركي السافر لإسرائيل، والذي تفاقم في السنوات الأخيرة· حتى تحولت العلاقة بين العرب والولايات المتحدة الأميركية إلى ضحية لانحياز وتطرف بعض عتاة اليمين الأميركي من المحافظين الجدد، الذين يتعمدون تبني الطرح الإسرائيلي بحذافيره في الصراع مع دول وشعوب المنطقة·
إن المسألة ليست مسألة تسويق منتج، ولا مغامرة إعلامية تنجح أو تفشل، كما أن من يصلح لتنظيم مزاد صاخب أو حملة انتخابية حزبية في تكساس قد لا يصلح للنهوض بها هنا في الشرق الأوسط· هذه هي مشكلة الأميركيين· إنهم يعانون مصاعب حقيقية في ''الاتصال'' والفهم لأزمات المنطقة، والأبعاد العاطفية والتاريخية العميقة للكثير من صراعاتها واختناقاتها المزمنة· ثم عندما يستشعرون هذا الإخفاق، وبدلاً من معالجته من الأساس يهربون إلى الأمام بإلغاء الأسئلة الحقيقية، والأجوبة الحقيقية أيضاً·
المهمة التي تحاول السيدة هيوز القيام بها هي مهمة صعبة للغاية، ولكنها أيضاً ليست مهمة مستحيلة· ولن تفيد هنا كثيراً أنواع الاتصال ذات الطابع الحكومي أو الرسمي· فعشرات الوفود الرسمية والدبلوماسية والبرلمانية الأميركية ما فتئت تذرع أرجاء المنطقة دون أن يعلم بها أحد في الإعلام الأميركي نفسه، وطبعاً دون أن تحقق اختراقات ذات شأن على المستوى الشعبي في المنطقة، كما أن جهود سنوات وسنوات من اكتساب الرأي العام العربي والإسلامي مما تحاول حالياً السيدة هيوز القيام به يمكن أن ينسفها تصريح واحد من رامسفيلد أو كلمة عابرة من الرئيس بوش من قبيل قوله ''إن شارون رجل سلام''!
إن أفضل طريقة هنا هي إيجاد نوع من الحوار الحقيقي والفاعل بين العرب والأميركيين، داخل الولايات المتحدة الأميركية وفي وسائل إعلامها المؤثرة لأن ذلك سيتيح فرصاً للاحتكاك وللاستماع إلى وجهات النظر المختلفة، ولتقريب الآراء من بعضها بعضاً· هذا بدلاً من إضاعة وقت ثمين في مسار غير مجدٍ، ويعود في كل مرة إلى الأسئلة الأولى من قبيل:''لماذا يكرهوننا؟''، لأن التجارب أثبتت خطأ مثل هذا السؤال أو بالأحرى التصورات العاطفية المسبقة له·
راشد صالح العريمي