صحيح أن قطاع غزة ليست له أهمية دينية في الإرث التوراتي الذي يمثل مرجعية لسياسات الدولة الإسرائيلية، لكنه، وعلى صغره أيضاً، يمثل قيمة استراتيجية لا يمكن لدولة مثل إسرائيل التي لها هواجسها الأمنية المزمنة، أن تتخلى عنه، بمجانية ودونما أسباب واضحة. من هنا تقول قراءتي للأحداث إن تفكيك المستوطنات اليهودية في القطاع، يمثل خطوة أولى لها ما بعدها، وهو "المابعد" الذي سيشمل إزالة مستوطنات أخرى كثيرة في الضفة الغربية التي كثيراً ما أشارت وسائل الاعلام إلى ما لها من رمزية دينية في العقل اليهودي. ورغم القانون الأخير الذي أصدرته الحكومة الإسرائيلية حول تخصيص مزيد من الأموال لبناء مستوطنات جديدة في الضفة، فواقع الأمر هو أن ذلك القرار لا يعني ما يقول، وإنما هو جزء من مناورة للالتفاف على القوى المتشددة التي تعارض أي نوع من التنازل أمام ضغط المقاومة الفلسطينية.
وإذا ما قارنا مساحة القطاع والضفة، فسنجد أن الوزن النسبي للمساحات الاستيطانية في كلا الإقليمين يبدو متقارباً جداً، ما يشير إلى أن الحسابات الإسرائيلية وراء إنهاء الاستيطان في قطاع غزة، ستقود أيضاً، إن عاجلاً أو آجلاً، إلى خطوة مماثلة إزاء مستوطنات الضفة الغربية.
وإذا كانت ضربات المقاومة ظلت أكثر تركيزاً في القطاع، فإن إسرائيل بدأت تتحسب الآن من إمكانية انتقال الثقل المركزي لجهد الانتفاضة نحو الضفة الغربية، ومن ثم سيتوجب عليها أن تخلي مناطقها الاستيطانية على عجل!
خالص جلال - غزة