تواجه صناعة النفط معركة بقاء جديدة هنا في سواحل الولايات المتحدة الأميركية, نتيجة للدمار والخراب اللذين ألحقهما إعصار "كاترينا" بسواحل ولاية تكساس, المعروفة بغناها بمصافي النفط وخطوط النقل البحري وأنابيب النفط. وعلى الرغم من أن معظم المنشآت والمرافق النفطية الموجودة في سواحل هيوستون وتكساس التي اتجه إليها إعصار "ريتا" الأخير, قد نجت من الدمار الواسع النطاق, والذي كان متوقعاً أن يخلفه الإعصار, فإن المحللين الاقتصاديين شرعوا بدق ناقوس الخطر, خوفاً من التداعيات والنتائج السالبة على المدى البعيد, والتي يمكن أن تخلفها ظاهرة تكرار الأعاصير العاتية, على سواحل خليج تكساس, حيث توجد حوالي 25 في المئة من جملة مصافي النفط الأميركية البالغ عددها 144 مصفاة, مع العلم أنها تنتج نسبة 25 في المئة من الاستهلاك النفطي الأميركي.
لذا فليس مستغرباً أن يصفها المحللون الاقتصاديون بأنها قلب الولايات المتحدة الأميركية النفطي, وبأنه فيما لو نكب هذا القلب, فسوف ينقطع الإمداد النفطي عن الجسد الأميركي كله, دون استثناء. لكن ومن حسن الحظ, فقد نجا ذلك القلب من خطر الإعصار الأخير, مما نتج عنه انخفاض أسعار النفط المحلي إلى 64 دولارا للبرميل الواحد, صباح يوم الاثنين التالي للإعصار. كما أن الخوف لم يكن لينحصر في صناعة النفط وحدها, إذ تعد سواحل خليج تكساس –سيما منطقة هيوستن- مركزاً رئيسياً لعدد كبير من الصناعات الكيماوية, وصناعات الزيوت والبلاستيك وغيرها من الصناعات التحويلية المستخدمة في عدة مجالات استثمارية. أما شبكة خطوط أنابيب النفط الموجودة هناك, فتعد بمثابة شريان الحياة كلها, في الجزء الشرقي من الولايات المتحدة, لكونها تمد المواطنين بكل ما يحتاجونه تقريباً, ابتداءً من الجازولين وحتى غاز الهيدروجين.
صحيح أن إعصار "ريتا" الأخير, قد مر على المنطقة مخلفاً وراءه نسبة ضئيلة من الدمار الذي كان متوقعاً أن يحدث، غير أن مجرد الخوف منه, والتحسبات الناشئة لما يمكن أن يلحقه من أضرار بالغة الخطورة, تؤدي إلى فقدان المزيد من المنشآت والمرافق النفطية الحيوية, قد دفعا المحللين الاقتصاديين سلفاً إلى خفض تقديراتهم وتكهناتهم الخاصة بمعدل النمو الاقتصادي الأميركي للعام الحالي. وقد بلغ ذلك الخفض نسبة 25 في المئة, اعتماداً على تكهنات الخسائر الناجمة عن الإعصار. وعلى سبيل المقارنة, فإن النسبة الأخيرة, تكافئ تماماً نسب الانخفاض في النمو الاقتصادي لولاية فلوريدا, إثر تعرضها للدمار الذي ألحقه بها إعصار "أندرو" في عام 1992. لكن وعلى رغم التكهنات السلبية السابقة لإعصار "ريتا" فإن الاقتصاد الأميركي لا يزال من القوة والعافية, بما يجعله قادراً على الصمود, وتخطي التباطؤ الذي قد تؤدي إليه مثل هذه الكوارث الطبيعية, كما حدث من قبل.
وكانت مخاوف الخبراء والمستثمرين العاملين في مجال النفط, قد ذهبت إلى أنه فيما لو أدى إعصار "ريتا" إلى حجم الدمار الذي كان متوقعاً منه, فإن من المحتمل أن تستمر أزمة الإمدادات النفطية لعدة شهور أو أسابيع على الأقل, قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها. أما السعر الإجمالي للجالون الواحد من الجازولين, فقد ارتفع سلفاً بمعدل 20 سنتاً خلال أسبوع الإعصار. وكان الخوف أن ينطبق المعدل ذاته على أسعار بيع التجزئة في محطات الوقود, التي يتعامل معها المستهلكون.
وإلى جانب الضربات المباشرة التي توجهها الأعاصير للمنشآت والمرافق النفطية الأميركية, فإن هناك مشكلات فرعية أخرى تسببها الأعاصير, لكنها تؤثر تأثيراً سلبياً على هذه الصناعة. وعلى سبيل المثال, هناك مشكلة انقطاع التيار الكهربائي, والتي عادة ما تلازم الأعاصير وتعقبها لفترة ليست بالقصيرة. فعلى الرغم من أن جميع المصافي والمنشآت النفطية عادة ما تزود بالمولدات الكهربائية الجاهزة للتشغيل في حالة الطوارئ, إلا أن السعة الإنتاجية لهذه المولدات, لا تكون ملائمة لظروف التشغيل العادي التي تطول في الغالب, بحكم أن المولدات لا تصمم إلا لاستخدامها في حالة الطوارئ. ولهذا فلم يكن غريباً أن يعلن المسؤولون عن استحالة توفير التيار الكهربائي للمرافق والمنشآت النفطية في منطقة هيوستون, لمدة أسبوعين كاملين, فيما لو ضربها إعصار "ريتا" بالقوة المتوقعة له.
إلى ذلك فمن المعلوم أن مصافي النفط المنتجة في ولاية تكساس, تنقل منتجاتها النفطية إلى أنحاء واسعة ومتفرقة من الولايات المتحدة, عبر خطوط أنابيب تنتهي عند المنطقتين الشمالية الشرقية والغربية الوسطى. والذي حدث إثر إعصار "كاترينا" هو تعطل بعض خطوط الأنابيب تلك, أو أنها فقدت التيار الكهربائي اللازم لتشغيل أجهزة الضغط الخاصة بها. وبالطبع فإن النتيجة هي حدوث شح في إمدادات الجازولين, في بعض أنحاء البلاد. وفي حال توقف خطوط الأنابيب عن العمل لبعض الوقت, فإن خطر النقص والشح في الجازولين, سرعان ما يطال أجزاء واسعة من أميركا.
ولما كان من الصعوبة بمكان, حماية المرافق والمنشآت النفطية من خطر الأعاصير, وما يترتب عليها