يبدو أنه كلما راهن أنصار صدام حسين على الانتخابات في إسقاط زعماء الدول التي قادت أو شاركت في التحالف الدولي لتحرير العراق من نظامه السابق ، أملا في مجيء زعماء جدد يبادرون إلى سحب قواتهم من هذا البلد، جاءت النتائج عكس توقعاتهم تماما، بل ومدحضة لمزاعمهم بأن شعوب تلك الدول غير راضية عن سياسات حكوماتها. حدث ذلك أولا في انتخابات الرئاسة الأميركية وثانيا في انتخابات بريطانيا البرلمانية وثالثا في انتخابات استراليا، وتكرر مؤخرا في اليابان.
ومشكلة هؤلاء العرب المعارضين للتغيير في العراق تكمن في أنهم ينظرون إلى العالم بنفس المنظار الذي يقيسون به أوضاعهم، بمعنى أنهم يعتقدون أن الشعوب الأخرى أيضا مثلهم لجهة إيلاء الشأن الخارجي أهمية قصوى مقابل إيلاء الشأن القطري نزرا يسيرا من الاهتمام، فيما الحقيقة تقول خلاف ذلك.
وآخر الأدلة بطبيعة الحال ما حدث في اليابان في الشهر المنصرم حينما أعاد المقترعون انتخاب رئيس الحكومة جونيتشيرو كويزومي على رأس الحزب الديمقراطي الحر بنسبة خالفت كل استطلاعات الرأي رغم كل ما قيل عن معارضتهم لسياساته تجاه العراق. وهذا يعني أن طريقة تصويتهم تأثرت حصريا بالأوضاع الداخلية التي يزمع كويزومي إحداث نقلة نوعية فيها وفق برنامج شامل للإصلاح.
والحقيقة أن انتخابات سبتمبر البرلمانية سوف تسجل في تاريخ اليابان كأحد أهم الانتخابات ليس فقط بسبب نتائجها المذهلة وإنما أيضا بسبب ما سوف يترتب عليها من تغييرات ستقود اليابان حتما إلى عهد جديد من التجديد والحيوية والقوة. ومن الملاحظات المهمة التي يمكن تسجيلها في هذا السياق ما يلي:
أولا: تعد هذه الانتخابات انتصارا شخصيا ساحقا لكويزومي ليس في مواجهة معارضيه من الأحزاب المنافسة وإنما أيضا في مواجهة خصومه داخل الحزب الحاكم ممن عارضوا خططه الإصلاحية وتكتلوا ضده من أجل المحافظة على امتيازاتهم ووصفوا قراره في أغسطس الماضي بإجراء انتخابات تشريعية مبكرة بأنه انتحار سياسي.
فالرجل الذي وصف يوم قدومه إلى السلطة لأول مرة في ابريل 2001 خلفا لأحد أقل زعماء البلاد شعبية ودبلوماسية (رئيس الوزراء السابق يوشيرو موري) بالهواء المنعش، كناية عما كان يوحي به من تغيير وإشارة إلى شبابه وشخصيته الجذابة المختلفة عن كافة أسلافه (فيما عدا ريوتارو هاشيموتو الذي مثل ظاهرة جديدة في عالم السياسة اليابانية بشكله القريب من المغني الأميركي الراحل ألفيس بريسلي) صار اليوم يمسك بقوة بتلابيب الحزب الذي حكم اليابان دون انقطاع منذ نهاية الحرب الكونية الثانية، وبالتالي فإنه في موقع الملك غير المتوج للبلاد وبما يؤهله لتفعيل برامجه الإصلاحية دون معارضة داخلية من رفاقه الحزبيين. لكن في ظاهرة معاكسة لما يجري في العالم الثالث، لم يغر هذا الإنجاز صاحبه في التمسك بالسلطة، بل أعلن أنه لن يبق أكثر من عام آخر في منصبه مؤكدا أن الفترة من الآن وحتى نهاية سبتمبر 2006 كافية لوضع البلاد على طريق جديد وتهيئة خليفة له ملتزم بخططه الإصلاحية وقادر على مواصلة المشوار.
ثانيا: تعد نتائج هذه الانتخابات في الوقت نفسه انتصارا للحزب الحاكم وتعزيزا لموقعه في الساحة السياسية بعدما ظل يترنح طيلة سنوات العقد الأخير تحت ضربات القوى والأحزاب والتكتلات السياسية الجديدة وما سببته شيخوخته وطابعه المحافظ وجموده وضلوع بعض رموزه في الفضائح من انصراف جزء من قواعده الانتخابية عنه. فبسبب من التجديد والإصلاح الذي وعد به كويزومي، استطاع الحزب أن يحصد 296 من مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 480 مقعدا ويحقق الأغلبية التي تتيح له البقاء في السلطة دون منازع، بل دون الحاجة إلى أصوات حلفائه التقليديين من الأحزاب الصغيرة.
ثالثا: تعد نتائج هذه الانتخابات انتصارا للمرأة اليابانية التي أولاها كويزومي اهتماما كبيرا بدفعها إلى الترشح على قوائم حزبه بل ووضعها على رأس تلك القوائم في محاولة منه لضمان إيصال أكبر عدد من النساء إلى البرلمان. وهذه الخطوة التي مثلت نقلة نوعية في سياسات الحزب الحاكم الذي ظل يهيمن عليه الذكور بتعسف، دفعت بعض الأحزاب المنافسة إلى الشيء ذاته. وهكذا صار في البرلمان الجديد لأول مرة 43 مشرعة ، 26 منهن ينتمين إلى الحزب الحاكم بعدما كان للأخير في البرلمان السابق تسع مشرعات فقط من أصل 34. وهذا العدد يعني تمثيلا أكثر عدالة للمرأة رغم نسبته المئوية المتواضعة إلى العدد الكلي لأعضاء البرلمان وهي 9 بالمئة (المعدل العالمي هو 16 بالمئة).
والجدير بالذكر أن أفضل نتيجة حققتها المترشحات اليابانيات قبل هذا التاريخ كان في انتخابات 1946 التي شهدت أول دخول لهن إلى هذا المعترك، حيث حصدن 39 مقعدا. وفي كل الانتخابات التالية ظلت حظوظهن في تراجع مستمر إلى الدرجة التي صارت معها اليابان واحدة من أقل الدول الصناعية المتقدمة لجهة تمثيل المرأة في البرلمان.
والمتوقع الآن أن يستثمر كويزومي وضعه القوي الجديد لتوزير عدد من الوجوه النسائية الفائزة على قائمته مع منحهن حقائب وزارية مه