ما كان يبدو حتى قبل أشهر قليلة وضعا استثنائيا ومؤقتا في سوق الطاقة العالمي، وخصوصا، على صعيد أسعار النفط الخام والمنتجات النفطية، بات يبدو الآن أمرا سائدا وسيبقى خلال الفترة المنظورة على الأقل. لذلك تكتسب قضية دور قطاع النفط والغاز في منطقة الخليج في تحقيق وضمان الأمن الاقتصادي، ليس لدول المنطقة فحسب بل وللعالم، أهمية أكبر مما اكتسبته على مدى العقود الماضية. إذ إن المنطقة ليست الأغنى من حيث توافر الاحتياطي العالمي المثبت من الخام وحسب، بل وإن اعتماد العالم عليها سيتزايد مع تصاعد الطلب على النفط ولكن أيضا مع بدء حقول قديمة بالنضوب.
وقد جاء المؤتمر السنوي الحادي عشر للطاقة والذي نظمه "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" على مدى الفترة من 25 الى 27 سبتمبر الفائت، ليسلط الأضواء على مختلف العوامل المؤثرة في قطاع النفط والغاز في وقت تحول فيه الانعطاف في هذا القطاع والذي رصده المؤتمر العاشر للطاقة في مثل هذا الوقت من العام الماضي إلى اتجاه عام سائد يتسم بمواصلة الطلب العالمي على الطاقة والارتفاع بمعدلات فاقت التكهنات. وقد قاد ذلك بدوره إلى وضع ضغوط كبيرة على طاقة الإنتاج العالمية أدت إلى تقليص طاقة الإنتاج الاحتياطية، مما زاد من حدة القلق بشأن اضطراب الإمدادات ودفع إلى وصول أسعار النفط والمشتقات والغاز الطبيعي إلى مستويات قياسية.
ولعل أهم ما خرج به المؤتمر هو التأكيد مجددا وبشكل أكبر من السابق على أن النفط سيبقى خلال العقود المقبلة المصدر الأول للطاقة في العالم وأن الطلب العالمي على النفط الخام سيشهد نموا كبيرا في المستقبل يحتم زيادة كبيرة في الإنتاج. وعلى هذا الأساس ورغم الإجماع بشأن صعوبة التكهن بشأن تطورات واتجاهات سوق الطاقة في المستقبل، كما برهن على ذلك خطأ غالبية التوقعات التي صدرت خلال السنوات الماضية بشأن حركة وآفاق الأسعار، فإن الحدس العام هو باتجاه يوحي بأن الأسعار المرتفعة نسبيا ستبقى معنا خلال الفترة المنظورة على الأقل، وأن عهدا من الأسعار تتراوح بين 20 و30 دولارا للبرميل قد ولى وانقضى.
وفي حين لعب تصاعد الطلب العالمي على النفط الدور الأكبر في صعود الأسعار وتضاعفها بنحو يقترب من ثلاث مرات خلال فترة السنوات الثلاث الماضية، فإن التأثير الأكبر لنمو الطلب على الأسعار قد ظهر من خلال ما أفضى إليه من تقلص طاقة الإنتاج الاحتياطية ليس فقط إلى مستوى متدن لا يتجاوز في أحسن الأحوال 1.5 مليون برميل يوميا، بل ويقتصر على إنتاج خامات ثقيلة لا تحبذها المصافي النفطية أو لا تستطيع تكريرها. ومع الحاجة الماسة لزيادة طاقة الإنتاج الاحتياطية من أجل تبديد حالة القلق في السوق، فإن ارتفاع تلك الطاقة وعودتها إلى مستوياتها السابقة أمران مرهونان ببقاء أسعار قوية للخام والمنتجات. إذ لا يمكن للمراقب أن يتوقع من الدول المنتجة للنفط وشركات النفط الدولية أن تعمد إلى زيادة طاقتها الإنتاجية كما هو مقترح الآن في حالة تراجع الأسعار. وعلى هذا الأساس فإن المشاريع المقترحة لزيادة الطاقة الإنتاجية قد يجري التخلي عنها في حالة انخفاض الأسعار. من هنا فإن إمكانية تحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية باتت تمثل مهمة أصعب من السابق وتحتاج إلى وقت أطول. لذلك من السهل القول الآن بأن احتمال حدوث استقرار في الأسعار لم يعد قائما على الأقل في الوقت الحاضر رغم أن مثل هذا الاستقرار بات هدفا واضحا للمنتجين والمستهلكين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية