كثر في الآونة الأخيرة الحديث حول إصلاح الأمم المتحدة، فما الداعي إلى ذلك، وهل الإصلاح ممكن في واقع الحال؟ إن دورة الجمعية العامة التي شهدت القمة العالمية، كانت ذات أهمية في تقرير ما إذا كانت المنظمة الدولية سترتقي إلى المستوى الذي تحقق من خلاله الأهداف التي أنشئت من أجلها، وما أراد لها مؤسسوها أن تشكله من قوة دولية مؤثرة تدفع بالسلام العالمي إلى الأمام لكي يتحقق لكافة شعوب الأرض أم أنها ستبقى على حالها الذي آلت إليه بعد انهيار الحرب الباردة وبروز قطب دولي وحيد.
إن المناداة إلى إصلاح الأمم المتحدة تعد أمراً منطقياً له مبرراته، وأول تلك المبررات فيما يبدو ذو طبيعة بنائية تخص هيكلية الأمم المتحدة الحالية التي يشوبها الخلل. إن أول من دعا إلى هذا النوع من الإصلاح الهيكلي هو الأمين العام للمنظمة الدولية الذي قال عنها بنفسه إنها تقف الآن على مفترق طرق. وفي سياق البحث عن وسيلة للإصلاح قام بتسمية فريق دولي لدراسة أوضاع المنظمة وتقديم التوصيات اللازمة لإصلاحها. وقد تقدم فريق العمل بتقريره النهائي عام 2004 حيث أشار إلى وجود قصور في العديد من وكالات الأمم المتحدة والعمليات التي تنفذها على مدار العالم، وقدم مقترحات محددة لمعالجة ذلك.
أما المبرر الثاني للإصلاح المزمع، فهو ما توصلت إليه لجنة "بول فولكر" مؤخراً بشأن التجاوزات التي صاحبت برنامج الأمم المتحدة الخاص بالعراق والمسمى بالنفط مقابل الغذاء. إن لجنة فولكر على لسان رئيسها وجدت العديد من المخالفات المالية الجسيمة التي ارتكبها موظفون بارزون في المنظمة، وتلك المخالفات بالإضافة إلى ممارسات أخرى غير سوية كشفت عنها اللجنة، هزت صورة الأمم المتحدة كثيراً وأججت من الأقوال المنادية بحتمية إصلاحها.
أما العامل الثالث، فهو ذلك المتعلق بدعوة الإدارة الأميركية القوية إلى إصلاح الأمم المتحدة. وأتت هذه الدعوة على لسان وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس التي أعلنت بأن الولايات المتحدة تريد أن ترى الأمم المتحدة وقد أصبحت أكثر فاعلية في الشؤون الدولية. وربما توجد دلالة تشير إلى ذلك هي تعيين جون بولتون سفيراً للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة من قبل الرئيس مستخدماً السلطات التي يمنحها له الدستور بهذا الشأن دون موافقة الكونجرس.
في بداية العام الحالي أصدر ستة من وزراء خارجية دول العالم السابقين نداءً يؤيدون فيه إجراء العديد من الإصلاحات للمنظمة الدولية. فقد دعوا إلى إعادة تشكيل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وإلى إطلاق معايير جديدة لنشر الديمقراطية في العالم، وإلى إطلاق مبدأ جديد يسمى "مبدأ مسؤولية الحماية"، وهو شعار يقصد من ورائه تدخل قوات الأمم المتحدة في الأقطار التي يتعرض فيها البشر لأخطار جسيمة تهدد حياتهم بسبب عدم قدرة حكومات بلدانهم أو عدم رغبتها في حمايتهم.
ومن جانب آخر فإن السؤال المتعلق بتوسعة مجلس الأمن الدولي، سيبقى دون إجابة على المدى المنظور. إن الدول الأربع المرشحة لدخول عضوية مجلس الأمن الدائمة هي البرازيل والهند وألمانيا واليابان، ودون شك فإن الولايات المتحدة ستدعم اليابان في الوقت الذي ستعارض فيه الصين ذلك بقوة. وتقف الولايات المتحدة موقفاً معارضاً لحصول ألمانيا على مقعد دائم لها في مجلس الأمن، وربما يعود السبب في ذلك إلى معارضة مستشارها جيرهارد شرودر للحرب على العراق.
ولو حدث وأن بقيت المنظمة الدولية على حالها الذي هي عليه الآن، فإن ذلك سيكون بمثابة الصدمة التي تصل إلى الإحباط بالنسبة للبشرية جمعاء. إن كافة شعوب الأرض تؤيد وجود أمم متحدة فاعلة، ولا تألو معظم حكومات دول العالم جهداً في دعم المنظمة وأخذ قراراتها على محمل الجد، ويعود السبب في ذلك إلى أن المنظمة عملت منذ تأسيسها، وبالقدر من الثقة التي منحتها إياها الدول الأعضاء فيها على إيجاد حلول للعديد من المشكلات التي ألمَّت بالمجتمع الدولي، سواء كان ذلك الحروب الطاحنة أو المجاعة أو الكوارث الأخرى، ويكفي القول إن الأمم المتحدة وفي أوج تألقها في التدخل لحل المشكلات الدولية، دفعت ثمناً باهظاً لمساعيها بموت أمينها العام الأسبق "داج همرشولد" بتحطم طائرته وهو يحاول حل مشكلة الكونغو.