في تعليقها على حادث انتحار وقع مؤخراً بإحدى إمارات الدولة، حرصت بعض وكالات الأنباء على تضمين الخبر إيماءات وتلميحات تربط بين الحادث الذي أقدم عليه مهندس هندي بعد أن قتل زوجته وأبناءه الأربعة، وبين ما وصفه خبر الوكالة بمعاناة الوافدين في الإمارات من زيادة الأسعار!. ومهنياً، يتعارف الجميع على أن صياغة قصة خبرية متكاملة تستوجب إضافة خلفيات وحقائق تاريخية أو معلوماتية أو إحصائية من شأنها تفسير الحدث من خلال ربطه بأخبار أو أحداث ذات صلة، ولكن في حدث انتحار المهندس الهندي تحديداً يكتشف القارئ للوهلة الأولى أن الصياغة قفزت على الحقائق وربطت قسرياً بين حادث الانتحار وغلاء الأسعار وارتفاع معدلات التضخم بشكل يخلو من المنطقية والدقة، وهذا ما كشفت عنه بالفعل تحقيقات الشرطة التي أزاحت الستار عن أسباب الجريمة وتوصلت إلى وجود دوافع مرضية أدت بالرجل إلى هذه الحالة. لا نهدف هنا إلى اتهام تقارير الإعلام بممارسة التضليل المهني أو تعمد الإساءة، ولا نميل مطلقاً إلى إعمال فكر المؤامرة في تفسير أمور كهذه، ولكن نشير فقط إلى أن من الضروري في العمل الإعلامي عدم التسرع في ربط ما لا يرتبط وبناء علاقات وهمية بين قضايا وأمور لا تمت إلى بعضها بعضاً بصلة، ونذكر أيضاً أن وقوع حادث الانتحار هذا، رغم كونه وصف بأنه من أبشع الجرائم التي شهدها مجتمع الإمارات، أمر وارد ولو بنسبة محدودة. المؤكد أن ارتفاع الأسعار يبدو بالفعل مشكلة حقيقية تواجه الكثيرين وتعترف بها الدوائر الرسمية في الدولة وتعمل على إيجاد الحلول والتصدي لها عبر آليات مختلفة، ولكن من الغريب أن نزج بهذه المسألة في دائرة البحث عن أسباب لأي حادث عابر أو طارئ قد يقدم عليه وافد أو مواطن.
واللافت أن هناك ميلاً إعلامياً ملحوظاً للنفخ في ملف أوضاع العمالة الوافدة بالدولة وتصوير الإشكاليات وأوجه المعاناة باعتبار ذلك سياسة رسمية، مع أن هناك عشرات من المؤشرات والدلائل والبراهين التي تؤكد رفض الدولة قطعياً لأي نهج أو ممارسات سلبية تقدم عليها بعض شركات القطاع الخاص، فالدولة، ممثلة في أجهزة وزارة العمل، تتصدى بقوة لقضايا من نوع التأخر في صرف الرواتب وغير ذلك، ناهيك عن أن أجهزة الشرطة تتعامل بطريقة حضارية يلمسها الجميع مع احتجاجات العمال، وليس ببعيد ما ذكره العمال المحتجون أنفسهم من أنهم اتصلوا بالشرطة التي أرغمت إدارة الشركة التي يعملون فيها على توفير "باصات" نقلتهم إلى موقع تجمعهم في قلب إحدى مدن الدولة الرئيسية لإظهار احتجاجهم ضد الشركة!.
ما ينبغي أن يدركه الجميع أن ارتفاع معدلات التضخم مسألة تلقي بثقلها على الجميع، وافدين ومواطنين على حد سواء، ومن غير المنطقي أن ننظر إلى الحقائق المجتزأة أو المنقوصة بما يؤدي إلى الربط بين أمور متفرقة وبناء علاقات وهمية لا تقود إلى فهم دقيق للحدث موضع المعالجة الإعلامية.