عندما أشعل أدولف هتلر فتيل الحرب العالمية الثانية، واجهت الآلة العسكرية الألمانية تحدياً خطيراً تجسد في افتقارها الصارخ للنفط. غير أن هذا النقص في الوقود الذي كان البعض يعتقد أنه قاتل، لم يمنع الدبابات النازية من الزحف على بولندا وفرنسا وهولندا، فضلا عن اجتياحها للاتحاد السوفييتي. في نفس الوقت أغارت المئات من الطائرات الألمانية على بريطانيا وأمطرتها بالقنابل، كما قاتلت أسراب أخرى من الطائرات المهاجمين من قوات الحلفاء. لكن كيف قام هتلر بذلك، علماً بأنه يفتقر إلى النفط؟ والجواب يكمن في الفحم. فباعتمادهم على 25 محطة لإنتاج الوقود المركب استطاع الألمان تحويل الفحم البني الموجود بوفرة في بلدهم إلى وقود الديزل أو البنزين ذي الجودة العالية. وبهذا يكون الفحم قد ساهم في تلبية 92% من احتياجات الوقود للطيران الألماني، بالإضافة إلى نصف احتياجات البلد الإجمالية من النفط.
وما نجح في حالة ألمانيا يمكنه أن ينجح أيضا بالنسبة للولايات المتحدة إذا ما تعلمنا من التجربة الألمانية كيفية توفير حاجياتها من الوقود بالاعتماد على الفحم. فأميركا التي تحتوي على 2% فقط من الاحتياطي العالمي من النفط، يمكنها استخدام الفحم المتواجد بوفرة لتحويل الكربون إلى وقود مركب يلبي الطلب المتزايد على الطاقة، ويؤمن الاستمرارية للاقتصاد القومي. وإذا ثبت أن تكلفة تصنيع الوقود المركب غير مرتفعة، فلاشك أنه سيوفر الطاقة الضرورية لتشغيل السيارات والقطارات، والآليات العسكرية، فضلا عن الطائرات، ما سيؤدي بشكل مباشر إلى التقليل من اعتماد أميركا على نفط الشرق الأوسط. ولا ننسى أن الولايات المتحدة تقوم فعلا بالاعتماد على الفحم والغاز الطبيعي، والطاقة الهيدرولوجية، بل وحتى طاقة الرياح لتزويد البيوت والمصانع والمكاتب بالكهرباء والتدفئة. لكن بالنسبة لشبكة المواصلات التي تعتبر العمود الفقري للاقتصاد والأمن القومي فإن الوقود المركب المستخلص من الفحم ورمال القار، فضلا عن باقي عناصر الوقود الأحفوري القديم تشكل أحد البدائل المهمة للنفط.
وفي هذا الصدد ذكرت إحدى الدراسات التي أجرتها مؤخراً شركة إكسونموبيل "أن الوقود الأحفوري فقط قادر على إنتاج الطاقة على نطاق واسع وبأشكال متنوعة تستطيع تلبية الطلب العالمي المتزايد عليها". وتتفق مع هذا الطرح دورية "جاز أند أويل" التي أكدت أنه مع انخفاض إمدادات النفط في الولايات المتحدة، وبحر الشمال، بالإضافة إلى مناطق إنتاج أخرى مهمة مثل فنزويلا يبقى الحل الوحيد هو استبدال النفط بـ"مصادر هيدروكربونية أخرى مثل زيت الصخور، ورمال القار والنفط الثقيل، بالإضافة إلى السوائل المستخرجة من الفحم". وتضيف الدورية المتخصصة أنه من بين كل تلك المصادر لا يوجد سوى رمال القار والسوائل المستخرجة من الفحم التي يمكنها أن تعوض النفط بشكل منتظم. وإلى حد الآن قامت شركات الطاقة بالتخلي عن البدائل الهيدروكربونية الأخرى واقتصرت فقط على المصدر التقليدي للنفط بسبب ارتفاع التكلفة. فإنتاج الوقود من المخزون الهائل لرمال القار الموجود في كندا يكلف من 30 إلى 40 دولاراً للبرميل الواحد في حين أن السعودية يمكنها ضخ النفط بتكلفة تصل إلى أربعة دولارات للبرميل الواحد. غير أن تلك المعادلة تغيرت الآن مع الطلب العالمي المتصاعد على النفط وارتفاع الأسعار على نحو كبير. وقد شرعت حالياً بعض الدول في الاعتماد على الوقود المركب، وإن كان الإنتاج مازال محدوداً؛ فعلى سبيل المثال تعتمد إفريقيا الجنوبية على شركتين لإنتاج 200 ألف برميل يومياً من الوقود المركب، معظمه مستخلص من الفحم، وإن كانت الشركات بدأت مؤخراً تتجه نحو الغاز الطبيعي.
والأكثر من ذلك بدأت كندا في الآونة الأخيرة تعتمد على شركات خاصة مثل "رويال دوتش شال" في استغلال رمال القار وتصفيتها ثم استخراج الوقود المركب.
ويذكر أنه من بين المصادر الجديدة المرشحة لتعويض النفط هناك:
-رمال القار: يوجد أكبر مستودع لهذا المصدر الحيوي في كندا. وقد وصل الإنتاج الكندي بعد سنوات من استثمار الشركات الخاصة إلى مليون برميل يومياً من الوقود المركب. ومن المتوقع أن يرتفع الإنتاج إلى أكثر من مليوني برميل بحلول 2010 وثلاثة ملايين سنة 2020. وتشير التقارير إلى انخفاض ملحوظ في تكلفة الإنتاج إلى أقل من 18 دولاراً للبرميل، ما يعزز من تنافسية الوقود المركب المستخلص من رمال القار في السوق العالمية.
-زيت الصخور: يوجد مخزون هائل من هذا المصدر الذي ربما يصل إلى تريليوني دولار ويتركز في سلسلة جبال الروكي الأميركية. وبالرغم من صعوبة استخراج هذا النوع من الوقود ومعالجته، إلا أنه مع الارتفاع الحالي في أسعار النفط، بدأت الأنظار تتجه مجدداً إلى زيت الصخور كحل بديل. وقد أبدت بالفعل بعض شركات الطاقة اهتمامها بإنتاج وتسويق الوقود المركب المستخرج من زيت الصخور.
-النفط الثقيل: يوجد في مختلف مناطق العالم، لكن معالجته مكلفة شأنه في ذلك شأن رمال القار. ومع ذلك هناك مئات الملا