خيراً فعلت الكنيسة الأنجليكانية البريطانية عندما اتخذت خطوة مهمة وموقفاً مهماً في طريق المصالحة مع المسلمين، والتي تمثلت صورتها في الاعتذار للمسلمين عن الحرب التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا على العراق. وكما جاء في التقرير الذي أعدته مجموعة عمل مجلس الأساقفة في الكنيسة برئاسة أسقف أوكسفورد ريتشارد هاريس الذي يحمل عنوان "مكافحة الإرهاب: السلطة والعنف والديمقراطية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر" أن الحرب التي "قامت بها الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق كانت لأسباب تتعلق بالمصالح الأميركية الداخلية، أكثر مما هي لمصلحة الشعب العراقي".
وأنا هنا سوف أتوقف عند حالة الاعتذار لأن هذه الحالة الأخلاقية تعني في نظري أموراً عديدة.
أولاً: أنها تمثل نقطة مهمة وخطوة جادة في طريق الحوار الحضاري بين الإسلام والمسيحية، وبين العرب والغرب، وخاصة أنها تأتي في وقت يتعرض فيه المسلمون في العديد من الدول الإسلامية العراق-أفغانستان- فلسطين، على يد الآلة العسكرية الغربية الأميركية-الصهيونية إلى إبادة جماعية، في وقت يمارس فيه صناع السياسة الغربية أبشع وسائل التضليل والكذب وقلب الحقائق والمفاهيم والمصطلحات حول الإسلام والعالم الإسلامي وما يجري الآن في العراق.
ثانياً: أنها تكشف عن حقيقة مهمة يحاول صناع السياسة الغربية إخفاءها أو تمريرها لأهداف استراتيجية استعمارية بغيضة. وهذه الحقيقة تتمثل في مخطط الحرب نفسها كما تسميها أميركا أنها ضد الإرهاب، وهي في الحقيقة وفق كل الدلائل والمؤشرات غير ذلك تماماً، حيث إنها باعتراف عدد كبير من المحللين والدارسين الغربيين للسياسات الغربية، أنها أصبحت حرباً دينية عالمية ضد الإسلام، وهي تتخفى في تحركاتها بأقنعة أيديولوجية وسياسية واقتصادية وثقافية عديدة، لكنها في نهاية الأمر تهدف وبشكل مباشر إلى القضاء على العالم الإسلامي والإسلام نفسه. وهذا الأمر واضح تماماً منذ أن أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش بعد أحداث 11 سبتمبر أن حربه ضد الإرهاب تعني بصريح العبارة "حملة صليبية". وما يؤيد هذه الصورة ويفسرها أكثر ما جاء في كتاب الكاتب الأميركي جيمس كارول "الحرب الصليبية" والذي ركز فيه على أهداف أميركا من الحرب الحالية التي تدعي أنها ضد الإرهاب. وهي في الحقيقة حرب صليبية واضحة ضد الإسلام، حيث إنه لم يحدث من قبل كما يقول المؤلف، أن تم جرّ أميركا إلى حفرة ملغمة بالديناميت بشكل عميق كما حدث في حرب أميركا الآن، وخاصة أن السمة الدينية للحملة الصليبية الجديدة تأخذ صورة الحرب المقدسة والمسحة المقدسة على استراتيجية الولايات المتحدة.
ويشير الكاتب جيمس كارول في كتابه إلى أن كلمة "الشر" التي صارت مفتاح الخطابة الأميركية منذ خمسين سنة، والتي أعاد جورج بوش تنشيطها في خطابه السياسي بقوة وفق محور جديد، قد باركتها الكنيسة الكاثوليكية. ويشبه المؤلف الدور الذي يلعبه جورج بوش الآن في استراتيجيته الحربية ضد العراق وأفغانستان والإسلام بشكل خاص، بالدور الخطير الذي لعبه البابا الكاثوليكي قبل حوالى ألف سنة عندما عبأ قادة العالم المسيحي إلى الحرب المقدسة ضد المسلمين. وتربط الكاتبة البريطانية "كارين آرمسترونغ" في كتابها "الحرب المقدسة" بين ما يحدث من نزاع وصراعات وحروب في المنطقة العربية والإسلامية أحدثتها السياسات الأميركية وبين المشروع الصليبي والحملات الصليبية السابقة. ويكفي هنا أن نشير إلى ما قاله المفكر الأميركي صامويل هنتينغتون، أنه خلال الفترة بين عامي 1980-1995 نفذت الولايات المتحدة 17 عملية عسكرية في الشرق الأوسط طبقاً لوزارة الدفاع الأميركية، وكانت جميعها تستهدف المسلمين. وهو رقم لم يسجله التاريخ العسكري للولايات المتحدة ضد أي شعب من أي حضارة أخرى.