لم يكن يوم الرابع عشر من سبتمبر عادياً، فقد تلقيت مكالمة هاتفية من ابنتي التي تتلقى دراستها في أميركا تفيد فيها أنها تعرضت لحادث تصادم ونتج عنه مقتل شخص يبلغ السادسة والثلاثين من عمره. كان وقع كلماتها قاسياً ولم تكن قادرة على التعبير من هول الصدمة. ما كان أمامي إلا تهدئتها لحين وصولي إليها، وفعلاً غادرتُ الكويت على عجل والصدمة تعتريني، فالحدث له تبعاته القانونية وفقاً للإجراءات الأميركية. هاتفت أحد الأصدقاء من المحامين وشرحت له الوضع وطلبت منه البحث عن أحد المحامين في ولايتها ليتولى القضية.
كم هو مقيت أن تجد نفسك في موقف لا تحسب حسابه وترى الأشياء حولك وأنت غير قادر على التدخل في مسارها، إنها تجربة مؤلمة يصعب وصف شدتها. لم يكن أمامي إلا الانتظار وأن أدعو الله أن يرأف بنا. اتصالات الأصدقاء وسؤالهم عن الحال خففا من شدة الألم وجعلانا نشعر بأننا لسنا وحدنا نواجه الموقف. فالاتصالات التي تلقيتها جعلتني أستعيد قوتي وألتقط أنفاسي وأتمالك نفسي في مواجهتي للموقف وتبعاته وتذكرت القول "الصديق وقت الضيق".
أكره شيء علينا أن نفقد الإحساس بالحياة ويغيب عنا الأمل، ولا يصبح للوقت معنى وكل ما يشغل البال الوقت الذي يأتي معه الفرج.
المؤلم في الأمر أن تختلط الأوراق وتتحول قضية شخصية إلى قضية سياسية وتبدأ وسائل الإعلام تنطلق بإصدار الأحكام النابعة من الصور النمطية للعرب أو أصحاب النفط. وفي هذه المحنة تجد نفسك أمام تهم دون أن تملك القدرة على الرد، حيث تصبح الكلمات محسوبة وقد تفسر تفاسير لا تخدم القضية التي نواجهها.
عندما حل إعصار "كاترينا" تعالت أصوات السود الأميركان وذلك لبطء تحرك الحكومة الفيدرالية، وبدأوا بتوجيه التهم وأخذوا يجترون ماضيهم المليء بالظلم والاضطهاد. وكذلك الحال عندما حدثت ضربات الحادي عشر من سبتمبر صدرت الأحكام اللاعقلانية وأصبح الإسلام والمسلمون مصدر شر، وأضحى المسلمون يدفعون ثمن حماقات جهلائهم، ولم يعد للعقل أي دور في نظرتنا للأحداث وملابستها، فعندما يغيب العقل تبدأ العواطف في تسيير توجهاتنا دون أن نعي خطورة ما نقوم به.
البعض لدينا فرح للأعاصير التي ضربت ولاية لويزيانا واعتبرها مبررة وأنها عقاب من رب العالمين. هذه الأحكام تقع في خانة اللاعقل حيث لا يمكن أن يفرح إنسان لعذاب الآخر. إنها حالة لا سوية وهي نوع من السادية حيث يجلب ألم الآخر الفرحة والسعادة.
قد نختلف مع سياسات الدول إلا أنها حماقة كبيرة أن يمتد ذلك إلى الشعوب وتطغى مشاعر العدوان والكراهية في تعاملنا معها. ما نشهده من تداخل وخلط الأوراق يرجع إلى غياب العقل في محاكاتنا للأحداث، مما يزيد من التباعد وحدة الكراهية بين الشعوب.
عودة إلى حالة ابنتي التي وجدت نفسها تحت مجهر الإعلام في الولاية التي تدرس فيها، أجد نفسي معها لا نملك القدرة على الدفاع عن أنفسنا حيث صدرت الأحكام مسبقاً دون أن تترك فرصة لسماع وجهة نظر الطرف الآخر.
وبالرغم من شدة الموقف وصعوبته إلا أننا نأمل أن ينظر إلى الأمر بعقلانية وشفافية كاملة وألا تتحول قضية شخصية إلى قضية رأي عام تتأثر بكل الصور النمطية المحفوظة في الذاكرة الأميركية.