لأشد ما يحتاج العالم في اللحظة الراهنة الى اعتماد نموذج سلمي لحل الأزمات ولتسوية النزاعات في ظل تصاعد حدة التوتر في كثير من المناطق لدرجة لا تسمح للمجتمع الدولي بالتقاط الأنفاس· إن العالم يرزح تحت وطأة تناقضات سياسية واقتصادية وحضارية صارخة، هي التي تؤدي عادة الى تفجر النزاعات والمواجهات·
ومن أقصى الشرق الى أقصى الغرب تدور رحى حروب صغيرة وكبيرة، وتتفاعل أزمات دولية بعضها وصلت لمستويات خطيرة وبعضها يتفاقم بصورة مطردة، وسط غياب واضح لآليات محددة متفق عليها تساعد في نزع فتيل الازمات·
ومنطقة مثل الشرق الاوسط، صار فيها ما يكفيها من الحروب والنزاعات والازمات· وأثبتت التجارب منذ عقود وحتى الآن، أن التصعيد لم يحل فيها أبدا مشكلة ولا نزاعاً·
ومن ثم فإنه ليس من المنطق أبدا تفجير بؤرة توتر جديدة تزيد من تعقيد الامور·
والمشكلة النووية الايرانية بخطورتها وتعقدها لأشد ما تحتاج الى جهد أكبر تختبر فيه آليات أكثر هدوءا واعتدالا في تسوية الخلافات·
ذلك لأن إصرار كل طرف - سواء الايرانيون أو الغرب - على مواقفه والدخول في معمعة العناد والاصرار على المواقف نفسها كان دوما هو نقطة البداية التي ميزت معظم الأزمات التي انتهت الى الحروب الناشبة الآن في المنطقة وخارجها·
والنتائج شاهد عيان على ما يمكن أن تفضي اليه مثل تلك السياسات في التعامل مع مشاكل معقدة من هذا النوع·
طبعا لايمكن لأحد أن يجادل في ضرورة إخلاء منطقة الشرق الاوسط من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية على وجه الخصوص·· فهذا أمر مفروغ منه، الا أنه من الواجب الوصول الى ذلك بأقصى درجات الحكمة والهدوء، حتى لا تتسبب المواجهة الناشبة في هذا الشأن الى دمار شامل للمنطقة·
وقد استطاع المجتمع الدولي التوصل الى تسوية سلمية لمشكلة مماثلة بل أكثر تعقيدا مع كوريا الشمالية التي كانت قد أعلنت بنفسها انها تمتلك أسلحة نووية·
وتمكنت الولايات المتحدة وخمسة أطراف دولية أخرى عبر مفاوضات ماراثونية أن تتوصل الى حل للأزمة· فلماذا لا يتكرر الأمر في الحالة الايرانية·
في الوقت نفسه تستحق الجهود المبذولة لإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية كل إشادة إلا أنه من الواجب أن تشمل تلك الجهود جميع الأطراف المعنية بما في ذلك اسرائيل·