تحدث وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بما يدور في أذهان العرب والخليجيين خاصة قائلا بشكل صريح ومباشر "إن السياسة الأميركية في العراق عمقت الانقسامات الطائفية وأدت إلى تسليم البلاد للنفوذ الإيراني". تصريح لا يحتمل التأويل انتقاد مزدوج للسياسات الأميركية من ناحية وللطموحات الإيرانية في العراق من ناحية أخرى. ولعلها من أقوى الانتقادات العربية التي وجهت للسياسات الأميركية في العراق بشكل مباشر قالها الوزير السعودي أمام مجلس العلاقات الأميركي في نيويورك وواشنطن ومن أقوى التحذيرات من تزايد النفوذ الإيراني في المناطق المحاذية لإيران خاصة المناطق ذات الأغلبية الشيعية. لقد عبر وزير الخارجية السعودي عن أكبر المخاوف فيما يتعلق بمستقبل العراق ومستقبل المنطقة وهو الحرب الأهلية التي ستنجر كل الدول المجاورة إلى دوامتها، قائلا "إذا سمحتم بحرب أهلية فإن العراق سينتهي إلى الأبد... إن مثل هذا الصراع سيؤدي إلى تدخل كل من إيران بسبب مصالحها في جنوب العراق الذي يهيمن عليه الشيعة، وتركيا بسبب قلقها من ظهور كيان كردي يتمتع بحكم ذاتي في الشمال والدول العربية في المنطقة". مخاوف مشروعة لدول الخليج ولدول الجوار الجغرافي المحاذية للبركان العراقي، خاصة وأن اللااستقرار السياسي والأمني العراقي انعكس وسينعكس على كل المنطقة، والتساؤل هنا هل لدول الخليج مصلحة في استقرار العراق على المدى الطويل أم أن عراقاً ديمقراطياً مستقراً سيغير من هيكلية النظام الإقليمي الخليجي، وسيؤثر على استقرار النظم الخليجية؟ سؤال يحمل أكثر من وجه وأكثر من سيناريو.
تحدث الكثيرون عن خطر استخدام وترديد الإدارة الأميركية ومعها وسائل الاعلام لمصطلحات كـ"العرب السنة"، "العرب الشيعة"، الأكراد السنة، وغيرها من التصنيفات التي غدت واقعاً مجسداً في أحزاب سياسية ذات أساس طائفي عمقها نظام سياسي اعتمد الطائفية في توزيع الكراسي والحصص، لكن يبدو أن الإدارة الأميركية لم تستوعب خطورة التقسيمات الطائفية في بلد لم ينعم باستقرار سياسي إلا بوجود ديكتاتور سادي كان محسوباً على السنة رغم أنه لم يفرق عمليا في ساديته بين الشيعة والسنة والأكراد، لذا فإن صراحة الدبلوماسية السعودية ضرورة خاصة وأن المعطيات السياسية كلها تؤدي إلى ذات النتيجة وهي تعزيز الانقسامات وصولا إلى أحد السيناريوهين الكارثيين "تفكيك العراق أو الحرب الأهلية". على الإدارة الأميركية أن تستمع إلى تحذيرات ومخاوف أصدقائها في المنطقة، فالسيناريوهات المتفائلة لمستقبل العراق بدأت في الاضمحلال لصالح السيناريوهات الكارثية التي ستكون لها انعكاسات عميقة على دول الجوار وعلى النظام الإقليمي الخليجي والنظام الدولي بشكل عام.
يشهد النظام الإقليمي الخليجي تحولات متسارعة منذ الحرب الأميركية البريطانية على العراق والسقوط المدوي لبغداد، ورغم مرور ما يزيد على السنتين إلا أن السيولة في الأوضاع لازالت مستمرة، فلم تتضح ملامح عراق الغد حتى الآن ولا تعكس الأوضاع الراهنة إلا صورة مأساوية لأوضاع أمنية متدهورة وعدم استقرار سياسي رغم الدستور العراقي الجديد والانتخابات المرتقبة إلا أن افتقاد الأمن والأمان عنصر محوري في الاستقرار على الرغم من الوجود العسكري الأميركي الكثيف. لقد خرجت الأوضاع في العراق عن السيطرة الفعلية وعن السيناريوهات المخططة في البيت الأبيض، وسخونة الجبهة العراقية المتصاعدة بدأت في الانعكاس على محيطها وجيرانها وما صرح به وزير الخارجية السعودي هو قليل من كثير يدور في الأروقة الرسمية والأكاديمية حول مستقبل العراق ومستقبل النظام الخليجي.
سؤال المستقبل بالنسبة للأوضاع الأمنية في العراق والأوضاع الأمنية في الخليج كوجهين لعملة واحدة هو الأجدر أن يطرح في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى، فالمصالح والتهديدات ثنائية أدعى للتحليل والاستشراف من قبل دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة تجاه الملف العراقي، فإلى أي حد تستطيع دول المجلس أن تواجه تحديات ومخاطر التكيف مع الأوضاع في العراق؟ وهل تستطيع الصمود أمام الضغوط الجديدة المترتبة على السياسات الإيرانية في الخليج والعراق؟ لقد جسد وزير الخارجية السعودي بحديثة المخاوف الخليجية من تزايد النفوذ الإيراني في العراق خاصة وأن التدخل يشمل "دخول الأشخاص والأموال والأسلحة والتدخل في الحياة السياسية". ومع كل الحقائق التي تقول إن إيران أصبحت قوة نووية مع وقف التنفيذ، وقوة عسكرية لا يستهان بها وهي ماضية في بناء تحالفاتها الاقتصادية الدولية رغم السياسات الأميركية، لذا فهذه المخاوف والتحذيرات مخاوف خليجية مشروعة. جاء الرد الإيراني على التصريحات السعودية مغلفاً بالعتب مبدية استغرابها على لسان الناطق باسم الوزارة حميد رضا آصفي أن "الجمهورية الإسلامية لا تتوقع هذا النوع من التصريحات من قبل أصدقائها في هذه الظروف الدقيقة التي تشهدها المنطقة وتعتبرها مفاجئة وغير حكيمة". لقد كانت الجمهورية الإسلامية المنتصر الأول في حرب الخليج الثانية عا