من تابع صحف الأمس يدرك ببساطة أن هناك تناميا ملحوظا في حجم الاحتجاجات العمالية على عدم صرف الرواتب، ويدرك بالتبعية أن سقوط حاجز الخوف من تبعات الاحتجاج يسهم بشكل ملموس في تشجيع العمال على إبداء تذمرهم، حتى وإن تطور الأمر إلى الاصطفاف للحصول على صورة صحفية تذكارية تجمعهم في هذه المناسبة من دون قلق لما قد يحدث بعد ذلك لأن هؤلاء العمال أدركوا أن مشكلتهم ناجمة عن ممارسات فردية وأن سلطات الدولة تقف بجانبهم وتساند حقهم في الحصول على مستحقاتهم المالية والمعنوية، وهذا ما ينبغي على إدارات هذه الشركات أن تعيه جيداً في تعاملاتها المستقبلية مع ملف الرواتب، وأن تتخلى عن المماطلة بدلا من اللجوء إلى تهديد العمال المطالبين بحقوقهم، وأن تكف عن ترديد التبريرات الواهية التي تكررها عند تفجر الأزمات العمالية.
لعل من بين ما لفت انتباه الكثيرين من قراء الصحف أمس هو تلك "الصورة التذكارية" التي نشرت في إحدى الصحف المحلية لعشرات من العمال الذين تجمعوا احتجاجاً على عدم صرف رواتبهم لثلاثة أشهر وأيضاً بسبب عدم صلاحية أماكن سكنهم. ولعل أيضاً من بين أكثر ما لفت الانتباه في ملف الاحتجاجات العمالية هو تصريح أدلى به مسؤول بإحدى شركات المقاولات الكبرى قال فيه إن "تأخر صرف رواتب عمال الشركة ليس بالأهمية التي تجعل الحدث يقفز إلى الصفحة الأولى في الصحف". بالطبع قد لا تكون هناك روابط ظاهرية أو قواسم مشتركة تجمع بين الحديث عن الصورة التذكارية وهذا التصريح، ولكن تمعن الأمور يقود إلى حقيقة فاتت على هذا المسؤول وغيره من أصحاب الشركات التي "تكاثرت" أنباء احتجاجات عمالها وتسربت إلى صفحات الجرائد ووكالات الأنباء العالمية خلال الأيام الأخيرة، وهذه الحقيقة تكمن ببساطة في عدم إدراك هؤلاء المسؤولين لخطورة المماطلة في صرف رواتب العمال والحجم الحقيقي للتأثيرات السلبية الناجمة عن هذه الممارسات السيئة، وبموازاة ذلك هناك سوء إدراك آخر يتعلق بوظيفة الإعلام ودوره المهني.
بصراحة يصعب الرهان على إجراءات وزارة العمل بمفردها، مهما كان حزمها، في تطويق هذه الممارسات، ولذا لابد من توافر عوامل دعم أخرى في مقدمتها تخلي أصحاب الشركات الخاصة عن مصالحهم الذاتية الضيقة وإدراك خطورة هذه الممارسات، وأن تتوافر حزمة من آليات التحفيز الاقتصادي التي تطبق في التعامل مع الشركات المخالفة عند إرساء المناقصات والعقود. فالمسألة برمتها تحولت إلى ثغرة تنفذ منها التقارير الإعلامية السلبية التي تنشر عن دولة الإمارات، ومن يتابع تقارير الصحف ووسائل الإعلام الأجنبية لابد وأن يشعر بأهمية التحرك لوقف هذه الممارسات المسيئة، التي يرى فيها البعض "جحيما" ويتفنن آخرون في استعراض ما يعتبرونه معاناة إنسانية للعمال الوافدين، وفي ذلك كله لا يمكن صرف الأنظار عن السبب الحقيقي، والاكتفاء بتوجيه اللوم إلى وسائل الإعلام، التي تؤدي دورها بغض النظر عن أي خلاف حول التناول المهني للحدث.