حسبما يقول الرئيس بوش دائما في خطبه وكلماته، فإن أحد أسباب إقدامه على شن حرب على العراق عام 2003، كان هو تغيير الشرق الأوسط عن طريق الديمقراطية. بوش وفريقه رأوا أن جذور الإرهاب في الشرق الأوسط تنمو في التربة غير الديمقراطية للأنظمة السلطوية القائمة في المنطقة، وبالتالي فإن إطاحة صدام حسين، وإزالة نظامه الديكتاتوري، ونشر الديمقراطية في العراق، ستكونان كفيلتين بمعالجة الأسباب الجذرية للإرهاب.
وعندما نقرأ هذا الكلام، فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا هو السؤال الذي يقول: ولكن هل يؤدي تعزيز الديمقراطية إلى كسر شوكة الإرهاب حقا؟ بعض المحللين يتشككون في أن هذا هو الذي يحدث، لأن المتطرفين الذين يتبنون خيار العنف موجودون في جميع المجتمعات بما فيها المجتمعات الديمقراطية ذاتها. والدليل على ذلك أن الهجمات الإرهابية التي وقعت ضد قطارات وحافلات لندن في شهر يوليو الماضي نُفِّذَتْ بواسطة مواطنين يحملون جنسية البلد الذي يعتبر واحداً من أقدم الديمقراطيات في العالم. على المنوال نفسه نجد أن تيموثي ماكفاي الأميركي الجنسية هو الذي نفذ تفجيرات مدينة أوكلاهوما، وذلك على رغم أن أميركا هي قائدة الديمقراطية في العالم في الوقت الراهن. وبالإضافة إلى ما سبق نجد أن المتشككين يعتقدون أنه حتى إذا ما افترضنا أن الديمقراطية هي التي يمكن أن تقلص من عملية تجنيد الإرهابيين، فإن غزو العراق كان هو الوسيلة الخطأ لترويج الديمقراطية، وأن هذا الغزو يعتبر مسؤولاً إلى حد كبير عن زيادة وتيرة تجنيد الإرهابيين في العالمين العربي والإسلامي.
بيد أن واجب الإنصاف يقتضي منا القول أيضا: إن الوقت لا يزال مبكرا على إعطاء إجابات قاطعة على هذا السؤال وغيره. فالتقييم الموضوعي لحرب العراق وتأثيرها على الشرق الأوسط سوف يستغرق عقداً أو ربما أكثر، مع ضرورة أن نسجل في هذا السياق أن الانتخابات التي جرت في بلاد الرافدين في يناير الماضي قد مثلت خطوة إيجابية للمنطقة بأسرها. فكما قال السيد وليد جنبلاط، القائد اللبناني الدرزي:"قد يكون مستغربا مني أن أقول ذلك... ولكن عملية التغيير التي ترونها الآن في المنطقة قد بدأت بسبب الغزو الأميركي للعراق".
كما علق "ديفيد بروكس"، وهو أحد كتاب الأعمدة في صحيفة "نيويورك تايمز" قائلاً: "إذا ما كانت أميركا تمتلك حقا موهبة واحدة من مواهب القوة الناعمة فإن تلك الموهبة تتمثل في ذلك النزوع لتخيل عوالم جديدة".
وبقيامه بغزو العراق، وخطبه المتواصلة عن الديمقراطية، فإن السيد بوش نجح في إجراء تغيير على الأمر الواقع الذي كان قائماً في المنطقة. فخلال الشهور الستة الماضية، تم إجراء انتخابات وطنية في لبنان، وانتخابات محلية في السعودية، كما قامت مصر بتعديل دستورها للسماح بقيام انتخابات رئاسية تنافسية يتنافس فيها عدد من المرشحين على منصب رئيس الجمهورية بدلا من الاستفتاء على مرشح واحد يختاره مجلس الشعب كما كان النظام المعمول به من قبل. إضافة إلى ذلك تم أيضا اتخاذ خطوات معتدلة في البحرين وعمان والمغرب. صحيح أن بعض تلك التطورات كانت ستتم حتى من دون حرب العراق إلا أن الصحيح أيضا هو أن بعضها ما كان ليتم لولا تلك الحرب. بيد أنه يجب أن يكون معلوما أيضا أن الديمقراطية تتطلب تسامحاً مع الغير، كما تتطلب اعترافا بحقوق الأفراد، إضافة بالطبع إلى تطوير مؤسسات ديمقراطية فعالة، وحسما للصراعات السياسية خصوصا في المجتمعات المنقسمة على نفسها لأن الديمقراطية ليست انتخابات فقط. وهذا تحديداً هو السبب الذي يجعل السجال الحالي الدائر حول الدستور العراقي على جانب كبير من الأهمية، وهذا هو أيضا السبب الذي يجعلنا نقول إنه ما لم يتم التوصل إلى توافق، وما لم يتم إرضاء الطائفة السُنية، فإن إجراء جولة جديدة من الانتخابات لن يكون كافيا وحده لحل المشكلة. حتى الآن أدى غزو العراق إلى حدوث تمرد، وإلى ظهور بوادر حرب أهلية، مما يجعلنا نقول إن الأمر سوف يستلزم أعمالا سياسية بطولية لاستخلاص الديمقراطية من بين براثن هذا الوضع. والدرس الجوهري الذي ينبغي تعلمه هو أنه في حين أنه يمكن الحصول على مساعدة الخارج في تنمية الديمقراطية وتطويرها، إلا أن المؤكد هو أنه لا يمكن بحال من الأحوال فرض تلك الديمقراطية عن طريق القوة. فألمانيا واليابان لم تصبحا دولتين ديمقراطيتين بعد الاحتلال الأميركي إلا لأنهما قد منيتا بهزيمة كاملة في الحرب العالمية الثانية، ثم خضعتا للاحتلال لمدة 7 سنوات كاملة، دون أن يثور فيهما تمرد، أو تندلع أعمال مقاومة لقوات الاحتلال. الأكثر من ذلك هو أن ألمانيا واليابان تعتبران - إذا ما تمت مقارنتهما بالعراق- مجتمعين يتسمان بالتجانس النسبي، ولا توجد بهما تلك الانقسامات الطائفية الموجودة في المجتمع العراقي. علاوة على كل ذلك، فإن وسائل القوة الناعمة التي طبقتها أميركا في ألمانيا واليابان تضمنت مشروعا مثل مشروع "مارشال" الذي يصعب تكراره في عالم اليوم. ربما تكون إدارة بوش على حق عندما تدعي أن الأخطار التي تر