رغم كل ما قيل عن ضرورة الحزم مع شركات المقاولات التي تماطل -لسبب أو لآخر- في دفع رواتب عمالها، ورغم المحاولات المستمرة لوزارة العمل للسيطرة على هذه الممارسات السلبية، فإن هناك شركات لم تزل تضرب بسمعة الدولة وبقوانين العمل عرض الحائط وتصرّ على فتح باب الإساءة للدولة من خلال تصرفات إدارية معيبة. وبالطبع لم تجد وكالات الأنباء قصة إخبارية أفضل وأكثر إثارة وتشويقاً من الاحتجاج الذي نظمه نحو سبعمائة عامل آسيوي في دبي للمطالبة بدفع رواتبهم المتأخرة لأشهر عدة، وهذا التركيز الإعلامي على حدث كهذا كان متوقعاً ويتفق مع مهمة الإعلام ووظيفته، ولكن المشكلة بالأساس في هذه الشركات وأيضا في وزارة العمل التي تفاعلت مع الحدث بشكل فوري وعاجل وقامت بدور "إطفائي" يصعب التحامل عليه أو الانتقاص منه، ولكن ذلك لا ينفي أن الوزارة مسؤولة ولو جزئيا عن انتشار هذه الممارسات والأسباب في ذلك عديدة، أهمها افتقار الآليات والقرارات التي تطبّقها الوزارة إلى الجدّية والواقعية أولا وإلى "مخالب" قانونية حقيقية ثانيا.
وعلى سبيل المثال فقط أصدرت الوزارة أوائل الصيف قراراً بحظر تشغيل العمال خلال ساعات الظهيرة وقامت بمخالفة عدد كبير من شركات المقاولات التي لم تلتزم بالقرار وتعاملت معه باستهتار، ولكن الأمر وصل في نهاية المطاف إلى التغاضي عن هذه المخالفات في خطوة لن تفرز سوى تشجيع هذه الشركات على مزيد من المخالفة وتبعث برسالة سيئة إلى الملتزمين الذين لن ينجروا بالتأكيد إلى قفص الطاعة العمالية مرة أخرى.
وأيضا سنّت الوزارة آلية تقوم على إلزام شركات القطاع الخاص بإرسال كشوف صرف الرواتب كل ثلاثة أشهر إلى الوزارة لسدّ هذه الثغرة، وفي حال مخالفة الشركة لهذا القرار يتم حظر التعامل معها من جانب الوزارة على أن يرفع الحظر فور إزالة أسبابه، وهذا بحدّ ذاته يحتاج إلى وقفة لأن العقاب هنا لا يتناسب مع الضرر والتداعيات التي تفوق في باطنها حجمها الظاهري، فالدولة باتت موضع جذب إعلامي وصعودها التنموي يجلب إليها الأضواء ومثل هذه الأحداث والاحتجاجات تربط اسم الإمارات بصور سلبية لا علاقة لها بالسياسات الرسمية التي تتسم باحترام الحقوق والواجبات والالتزامات تجاه الآخرين. ولعلّ حالة الشركة التي تسبّبت في الاحتجاج الأخير تلفت الانتباه إلى ضرورة إعداد قوائم خاصة بالشركات التي تمتلك سوابق في المماطلة بدفع الرواتب والتسبّب في الاحتجاجات كي يمكن متابعتها عن كثب وتبنّي آلية عقابية متدرجة تتوافق مع تماديها في ارتكاب مثل هذه المخالفات. أكثر ما لفت انتباه الإعلام في الاحتجاج الأخير أن الاحتجاجات العمالية لم تعد "نادرة"، ولنا أن نتوقع تزايدها سواء في حال اتجاه الدولة إلى السماح بها رسميا كما تردّد منذ فترة أو بسبب انتقال "عدوى" الاحتجاجات إلى آخرين، ولذا فالأمر يتطلّب صرامة إدارية وقانونية وتبنّي آليات عمالية أكثر فاعلية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية