تناول الكاتب د. طيب تيزيني رؤية عصرية للثورة المعرفية من خلال مقاله "الثورة المعرفية والأوهام المُلْتفّة حولها"، المنشور في "وجهات نظر" يوم أمس الثلاثاء، وأرى أن الكاتب قد أغفل رأي "ماركس" الأقرب إلى الواقع المعرفي الحالي في هذا الإطار. فماركس قد أحدث ثورة عظيمة في نظرية المعرفة البشرية. وعن طريق هذه الثورة المعرفية الجذرية، استطاع ماركس الانتقال من دائرة الايديولوجيا إلى دائرة علم التاريخ، المادية التاريخية.
إن الكاتب فاته الحديث عن علم التاريخ الماركسي الذي جعل التاريخ البشري يقف على رجليه، بعدما كان يسير على رأسه. والمحرك الأصلي للتاريخ، الذي اكتشفه ماركس، انطلاقا من نظرته الثورية الجديدة، هو: العلاقة التناقضية الجوهرية على صعيد الإنتاج المادي، وهي علاقات الإنتاج بمعناها العام مع الطبيعة في مرحلة أولى، ومع البشر والطبيعة في مرحلة لاحقة. وهذه الثورة اعتبرت معرفية تقدمية، لكن العالم الحديث أجهضها بعد انطلاق ثورتي المعلومات والاتصالات، ونتائج حرب الخليج الثانية، وتفكك الاتحاد السوفييتي من حيث هو نظام سياسي شمولي، التي أشار لها الكاتب كتدشين للنظام العالمي الجديد ذي النسيج العولمي.
أعتقد أن أساس علاقات الإنتاج، قام على الصراع الطبقي. هذا الصراع الطبقي هو محرك التاريخ البشري المعرفي، كما أنه محرك للمادية المعرفية التاريخية، بل هي أيضا إيديولوجيا ثورية للطبقة المثقفة القادرة على التفكير والتحليل والإنتاج المعرفي الخالص. إنها أيديولوجيا فكرية معرفية، لأنه من جهة، لم تفسر التاريخ بهذه الطريقة الإيديولوجية أو تلك، كما كان يفعل الفلاسفة، بل لقد فسرته بالطريقة العلمية الوحيدة الممكنة، وهي المادية الجدلية التي تتطابق مع الروح الفكرية للعصر الحديث.
ومن جهة أخرى، أقدر أن الكاتب لم تكتف بالتفسير في مقاله، بل أراد أن يوضح شكل تغيير العالم، من خلال انخراطه الواعي والمنظم، في تحليل معطيات الصراع الفكري الواقعي والموضوعي الذي تخوضه الطبقة المثقفة في المجتمع العربي المعولم من قصراً، وهي الطبقة الاجتماعية الوحيدة المؤهلة لإعطاء مخرج مقنع لذلك الصراع.
رامز سركيس- بيروت