هل هناك من يتكسب بالدين، ويجعله بضاعته التي يشتريها بثمن بخس ويبيعها بأثمان باهظة؟!
لا يمكن أن يكون جواب سؤال كهذا، إلا... نعم، بالتأكيد!
تأملوا معي كيف عمت مصطلحات في بلاد المسلمين، تربط أنشطة كثيرة بالإسلام، فالجمعية الفلانية إسلامية، والمكتبة الفلانية إسلامية، والتسجيلات العلانية إسلامية، وسين من الناس كاتب إسلامي، وصاد من البشر مفكر إسلامي، ثم فوجئنا بمد آخر فنشيد إسلامي، وأغنية إسلامية، وربما سمعنا غداً بسباك إسلامي، ونجار إسلامي، وحداد وفقاً للشريعة، ومكوجي على الكتاب والسنة، وما بعنا بالكوم إلا اليوم!
إن الإشكالية الكبرى، في هذه الظاهرة في تقديري، هي أنها نابعة من فكر روّج له كثيراً في مجتمعات المسلمين، وهو قائم على اعتبار المجتمعات المسلمة مجتمعات جاهلية، وبالتالي يجب أن تكون هناك فاروق بين الجاهلية والإسلام، فكانت ثقافة كتب مثل:"جاهلية القرن العشرين"، وأفكار مثل الهجرة من مجتمعات الكفر إلى مجتمعات الإسلام، والمصيبة أن مجتمعات الكفر هذه هي مجتمعاتنا التي يصلى فيها ويصام ويزكى وترفع فيها كلمة الله، وما ذاك إلا لأنها لم توافق أهواءهم وتصوراتهم، فجعلوا مجتمعاتهم ودوائرهم الضيقة مجتمعات مسلمة وبقية المسلمين ومجتمعاتهم مجتمعات جاهلية!
هذه "العزلة الشعورية" التي يروجون لها بقصد أو بدون قصد، بوعي أو ببلاهة، هي مرادهم لتهيئة الأجواء لاعتلائهم على سدة الكراسي، ولذا فهم يحرصون على هذه الأوصاف، وكأن غيرهم ليس له من الإسلام حظ، وكأن أبواب السماء المفتوحة تنتظر أوامرهم ومفاتيحهم لتنزل الرحمة على الخلق!
كتب الأستاذ عيسى الشارقي من جمعية التجديد الاجتماعية الثقافية في البحرين، منتقداً هذه الظاهرة :"الحلاق الإسلامي والخياط الإسلامي والمطعم الإسلامي والبنوك الإسلامية والدولة الإسلامية والأحزاب الإسلامية، وهكذا ربما نجد الرياضة الإسلامية، والبيوت الإسلامية والحدائق الإسلامية، مسميات بعضها مشتهر. فهل هذه المسميات تعكس مفاهيم محددة الدلالة، كما لو قلنا صلاة المسلمين وصيامهم؟ وهل فيها فائدة ونفع؟"، وزاد الشارقي:"الأضرار في هذا التوصيف أكثر من المنافع، لأنه أولاً سيحد في الأمة من التجديد، إذ النفس تسكن عند بلوغها مغيّاها، فلو قد آمنت بإسلامية الدول، لظننت أن ما الدول الإسلامية عليه هو قول الإسلام في الدولة، بينما لا يوجد وصف محدد للدولة في الإسلام، يزيد عن القيم العامة للدولة الصحيحة، أيا كان دين ناسها. كما يدعونا ثانياً إلى وصم الرأي المخالف – ولو وصما رمزيّاً – بعدم الإسلاميّة، إذ ما دام ما نحن عليه إسلاميّاً، فالأمر الثاني المخالف له مستراب في إسلاميته".
فيا هؤلاء، لسنا بحاجة لنعلم أننا مسلمون إلى توصيفاتكم، ولا إلى أوصافكم، فقد علمنا ديننا أن أهم قيمة جاء بها ديننا أنه يلغي الوسائط بين العبد وربه، فكم من يد امتدت إلى السماء فأسبغ عليها الكريم المنان من فيوض رحمته، وأنتم تصفون صاحبها بالجاهلية، وكم قلب صدق في توجهه إلى مولاه، فمن الله عليه بالقبول، وأنتم قد حكمتم عليه وعلى المجتمع الذي يعيش فيه باللاإسلامية.
روى مسلم في صحيحه: عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: "من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك".
وما أشبه كثيرين بمن يتألى على الله عياذاً بالله!