لعلي لن أقول كلمات مفاجئة وغير متوقعة إذا ما ذكرت الدكتور حسن حنفي بأن مقاله المعنون بـ"العرب ونهاية العصر الأميركي"، والمنشور على صفحات "وجهات نظر" يوم السبت الأخير، ليس أول "بشارة" يُجهد أصحابها أذهانهم في التنجيم والتكهن بانهيار أميركي طالما كان وشيكا وفي تعداد بوادره منذ ستين عاما، أي منذ اليوم الذي ابتلي فيه العرب بتيار لا يرى إمكانية لتحقق النهضة ومراكمة شروطها خارج سقوط الآخر الغربي ودمار حضارته! لكن الدكتور حنفي يقع في مشكلة منهجية كبيرة حين يعجز عن تجاوز التناقض بين أطروحتين في مقاله؛ أولاهما تصور الولايات المتحدة بصفتها قوة عظمى قادرة على التحكم في تفاصيل الوضع العربي وإعادة إنتاجه بحيث "تتحالف معها النظم العربية خوفا منها ولاتقاء شرها، ولمساعدتها على الاستمرار في دفة الحكم ضد تململ الشعوب من التمديد والتوريث وقوانين الطوارئ والأحكام العرفية، كما تسرع هذه النظم في تنفيذ توجيهات واشنطن بالاعتراف بالحكومة العراقية وإرسال الممثلين الدبلوماسيين لها، وإدانة المقاومة في فلسطين والعراق تحت مسمى الإرهاب، والاستمرار في قطع العلاقات مع إيران رغم أنها ظهير العرب للدفاع عن فلسطين والعراق والاستقلال الوطني والتعاون النووي، والاستمرار في الخصخصة والدخول في سوق العولمة، والرضوخ لروشتات البنك الدولي في الإصلاح الاقتصادي، بل والسماح بإقامة القواعد العسكرية والتدريبات المشتركة وأحلاف الدفاع"!
أما الأطروحة الثانية، فتُصور الولايات المتحدة كقوة في طريقها إلى السقوط بدليل "الانهيار الاقتصادي، وارتفاع أسعار النفط، والحركات المعادية لها في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، بل وفي أوروبا وداخل الولايات المتحدة نفسها، كما أصبح اليمين المحافظ عبئا عليها، وغزو العراق وأفغانستان والقتلى الأميركيون كل يوم، جعلها لا تعطي الأولوية لإعصار لويزيانا والميسيسيبي"!
وإذا كانت كل من الأطروحتين تستحق نقاشا منفصلا حول صحة معطياتها وتفاصيلها الداخلية، فإنه من العسير أن نقبلهما معا كدعامتين لمقال واحد وضمن خط يدعي الانسجام والتناسق الموضوعي! وذلك ما يدعونا إلى طرح التساؤل: هل الاستقلال الوطني، والإرادة الوطنية، والتنمية المستقلة، والمشاركة الشعبية، والاعتماد على الذات... أهداف يتعذر تحقيقها إلا من خلال سقوط أو إسقاط الولايات المتحدة؟! أرجو ألا نشرط الوصول إلى النهضة والى آمالنا في التطور، بحليب العصافير أو برأس العنقاء أو بروح الغول!
نادر المؤيد- أبوظبي