في مقال الأسبوع الماضي تعرضنا إلى عملية الإصلاح التربوي، وركزنا على التجربة العالمية في الإصلاح التربوي، ورأينا الاهتمام بالعديد من المتغيرات المؤدية إلى التطوير التربوي، ولعل أهم هذه المتغيرات كان الاهتمام السياسي بالعملية التربوية، ووجود الرؤية التي تسير العملية التطويرية، وتدعم هذه الرؤية بالمتخصصين في الميادين التربوية المختلفة، لأن التربية مهنة وليست وظيفة. بعد ذلك عرجنا على أهمية المال كعصب للتطوير ولن نستطيع التطوير لوحدنا، لذلك نحن بحاجة إلى الشراكة مع الآخرين، لو طبقنا هذه العناصر على التعليم في الإمارات لرأينا مكمن الخطر والخلل.
هل هناك من قصور يرد إلى القيادة السياسية في الدولة؟ الأخبار والتقارير والتصريحات والمتابعات تبين حقيقة الأمر، فلصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، أيادٍ بيضاء في دعم التعليم حتى لما كان ولي عهد لإمارة أبوظبي، وما مكرمة الشيخ خليفة بدعم رواتب المعلمين المواطنين عنا ببعيدة، ولا تغيب عن الأنظار المباني الحديثة المشيدة للتعليم، ولو عرجنا على الصعيد المحلي، لرأينا الدعم المباشر من الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وما مبادرة سموه الأخيرة إلا خير دليل على دعمه للتعليم. ونفس الصورة تتكرر في الإمارات الأخرى، ففي دبي تم تأسيس مجلس التعليم وله أهداف واضحة، وفي الشارقة هناك مكتب خاص لمتابعة أمور التعليم تابع للحاكم.
أين هي رؤية التعليم؟ للأسف الشديد لا يجد الباحث في ميدان التربية رؤية واضحة للتعليم في الدولة، كلنا يدرك أهمية وجود هذه الرؤية، هذه المسألة في غاية الأهمية، وهي جزء من الخلل الواجب إصلاحه، ولست مبالغاً في هذا الأمر، إن الرؤية هي التي تحدد من نحن وماذا نريد، ومن دون هذين الأمرين، لن ننجح في تقويم التعليم في الدولة أو تطويره.
ماذا عن التخصص؟ للأسف الشديد، لا توجد سياسة واضحة لجعل المناصب المؤثرة في التعليم مرتبطة بالتخصص، وهذا خلل آخر تنتج عنه تجارب مريرة يذوقها التلاميذ علقماً، فكل سنة لدينا مناهج مطورة، وقبل أن تنتهي هذه السنة تأتينا تجارب أخرى، هذا مثال بسيط على الخلل في التخصص، وهذا الأمر جعل الخطط الحالية تعتمد على الخبراء، لكن إلى متى؟ لا بأس من أن نستعين بالخبرات العالمية، لكن ينبغي أن يكون معهم نظراء مكافئون من أهل الوطن، إنْ شئنا الإصلاح التربوي، ولا أعتقد أن دولة ما تنجح في التطوير وهي معتمدة طوال تاريخها على الخبراء الأجانب.
المال هو عصب التطوير، وهناك ميزانية ليست بالبسيطة ترصد للتعليم سنوياً، لكن جل بنودها تُهدر في رواتب بالإمكان الاستغناء عنها. في تصوري المتواضع، أنا أزعم وجود ازدواجية بين عمل الوزارة وما تقوم به المناطق، وبالإمكان توفير الكثير من المال لو أزلنا هذه الازدواجية. بإمكاننا التخلص من ثلث العمالة الزائدة في الإدارات، ولن يتأثر التعليم، بل إنه سينشط، ثم نحول الأموال إلى مكانها المناسب، ألا وهو المدرسة. ومن جانب آخر هناك صناديق تم إنشاؤها لدعم التعليم وهذه مبادرة كريمة من الحكومة، لكننا إذا لم نعرف أن نوجه هذه الأموال، فإننا سنشارك في الهدر المالي للتربية.
أما عن موضوع الشراكة فحدث ولا حرج، هناك إدارات في الوزارة لا تتفق مع بعضها بعضاً، وهناك من يخطط وآخر ينسف، كلنا يعلم عن مناهج أقرت، وطبعت، لكنها جمدت لعدم وجود من يعلمها، أو لعدم وجود مكان لها في الخطة الزمنية.
أما موضوع الانفتاح على المعلمين أو الأسر، فهي مسألة شبه مغيبه فهم آخر من يعلم ودورهم الفعلي يكمن في التلقي والتنفيذ لا المشاركة الفاعلة والتحقيق. إن أهم منطلق للإصلاح هو المدرسة، وأهم ما فيها هو المعلم والمتعلم، منهم وإليهم يكون التطوير، وإلا كان إصلاحاً شكلياً.