انقضى الآن ما يقارب ربع عام كامل على التاريخ الذي أعلن فيه اليوم المحدد لبداية الفترة الانتقالية التي حددتها اتفاقية (نيفاشا) بين الحكومة السودانية و"الحركة الشعبية لتحرير السودان"، ورغم ذلك فإن أجهزة الحكم كلها لم تكتمل بعد. إن ما أنجز حتى الآن هو تعيين أعضاء المجلس التشريعي (البرلمان) جزئياً وليس كلياً، إضافة لتعيين ولاة الأقاليم الشمالية.
وبهذا فإن ما تبقى هو تعيين مجلس الوزراء الجديد وتشكيل عدد من اللجان المهمة مثل لجنة النظر في عدد من المؤسسات المهمة بغرض تنقيتها من طابعها الحزبي وجعلها مؤسسات قومية، إضافة إلى خطوات أخرى تنتظر الإنجاز.
إن الهدف الأول من الاتفاقية بعد تحقيق السلام هو الانتقال بحكم السودان من النظام الأحادي إلى نظام تعددي يكون هو المدخل للانتقال إلى عهد ديمقراطي ليبرالي، ولهذا فقد بدأت تعليقات المراقبين تنصب في مدى ما وضح أو لم يتضح من ممارسات للحكومة المُشكَّلة من طرفي الاتفاقية لتحقيق ذلك الهدف أو حتى الاتجاه نحو تحقيقه.
وفي هذا يتفق كثير من المعلقين السياسيين على أن واقع الحال يشير بصورة واضحة إلى أن الشريكين في الحكم - وبصورة أجلى الشريك الأكبر وهو حزب "المؤتمر الوطني" (الإنقاذ)- لا ينتهجان نهجاً يمكن أن يؤدي إلى تنفيذ ذلك الهدف من الاتفاقية لتوسيع "مواعين" الحكم بصورة جادة أو وضع اللبنات الأولى للتطور نحو الديمقراطية. والأمثلة التي يسوقها أصحاب تلك القناعة متعددة منها:-
أولاً: التعجيل بسن قوانين مؤقتة، هدفها تحجيم دور مؤسسات العمل المدني العام مثل النقابات بنوعها العمالي والمهني بغرض إخضاعها للحكم وتحريم انطلاقها حرة مستقلة وفق ما هدفت إليه الاتفاقية، بل إن من بين القوانين المؤقتة التي صدرت بتوقيع رئيس الجمهورية ما يعتبره القانونيون منافياً ومعارضاً حتى للدستور المؤقت، الذي أُقر أخيراً والذي أعده وصاغه في الأصل الشريكان المسيطران على الحكم.
ثانيا: الحرص على أن يستمر ملء المناصب الدستورية المهمة من كادر الحزبين الشريكين خصوصاً الشريك الأكبر.
ثالثاً: إجراء تعديلات في قيادات أجهزة الحكم القائمة بصورة تهدف إلى (التمكين)، وليس فتح الباب لمشاركة الآخرين.
إن كثيرين كانوا يتوقعون أن يكون الوضع غير هذا، إذ ظل الدكتور جون قرنق هو الشريك الجديد في الحكم. ولكن يبدو أن الوضع اختلف إلى حد كبير بعد أن غيبه الموت، وجاء مكانه النائب الأول لرئيس الجمهورية السيد سلفا كير.
إن قراءة هذا الواقع تقول إن النائب الأول الجديد والذي يتمتع بسلطات خاصة ليس له ذات القدر من الاهتمام بقضية التحول نحو الديمقراطية وتحقيق قدر واضح من الحكم القومي. كذلك اتضح أن همه الأول هو التركيز على حكم الجنوب وضمان إشراك كل الفئات التي كانت تعارض الحركة الشعبية في أنظمة وأجهزة حكم ذلك الجزء من السودان في العهد الجديد. قصارى قولنا إن اتفاقية (نيفاشا) لا تُطبق وتُنفذ تنفيذاً دقيقاً وأميناً يُراعي أهدافها الأخرى غير إنهاء الحرب، وهذا وضع يأمل كثيرون ألا يؤدي للإخلال بالاتفاقية وفتح الطريق للتدخل من القوى العالمية، التي بذلت جهداً كبيراً في الوصول إلى تلك الاتفاقية.