"الظاهرة القومية في طريقها إلى الانحسار"، هذا هو العنوان الذي أراد طيب تيزيني أن يبرهن صحة عكسه في مقاله ليوم الثلاثاء الماضي، معتبرا أنه إذا كانت الإخفاقات التي مرت بها الظاهرة القومية في كل العالم العربي، فضلا عن نجاحات الديمقراطية الليبرالية، توحيان بأن انحسار القومية فكرة ودولة وأيديولوجيا قد بدأ بالفعل، فالحقيقة هي أن القومية هي ظاهرة محايثة للتاريخ وليست فوقه! ويعتبر تيزيني أن العرب حينما أخذوا في القرن التاسع عشر يكتشفون هويتهم وخصوصيتهم القوميتين، لم يخترعوا تلك الهوية وهذه الخصوصية، بل اكتشفوا الطريق للوصول إلى تحديدهما وضبطهما عن طريق تحويلهما إلى "موضوع بحث" سياسي وتاريخي! لكن أكثر من هذا فإن المقال لم يتضمن دليلا واحداً يخدم الاتجاه الذي أراد الكاتب أن يوجه فيه الأحكام والاستخلاصات!
لذلك أقول إن الفكرة القومية التي ازدهرت في حقبة الثورات التحررية ويقظة الهويات القومية في مواجهة الاستعمار الأوروبي، أصبحت في الوقت الحالي شيئا متجاوزا ومن بقايا الماضي، بل لا يمكن أن يكون لها مكان في عصر العولمة والثورة الرقمية وشبكات الاتصال التي باتت تكون بحد ذاتها مجتمعها الكوني الواسع!
وكانت القومية رديفا للتحولات السياسية والدستورية الكبرى التي عرفتها أوروبا منذ القرن الثامن عشر، لكن لا أحد اليوم في تلك القارة العملاقة يشغله الحديث عن القومية أو يحس بأي وجود لها!
أما القومية العربية التي أخفقت في إنجاز جميع وعودها وشعاراتها الضخمة، ولكن الفارغة، فتجسدت أخيرا في أنظمة قطرية قمعية تناهض شروط التحرر داخل أوطانها وتقف حجر عثرة في طريق التطور والتقدم والنماء! ولا أعتقد أنه من بين الأجيال الشابة في مختلف الدول العربية حاليا، من يحمل أي ميل إلى فكرة القومية العربية، لأنها باختصار صفحة من ماض تم طيه إلى غير رجعة!
أسماء عمر- الكويت