قلنا منذ البداية، إن مشروع تمزيق العراق والمنطقة كان جاهزاً منذ ربع قرن، وإن هذا المشروع كان يحمل في داخله خلاصة التوجه السياسي الاستعماري المسموم الذي كتبه كل من الصهيوني برنارد لويس في عام 1983 في مشروعه الاستعماري، الذي أكد فيه على ضرورة تحويل المنطقة إلى دويلات طائفية وعرقية صغيرة بلا حكومات، وتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات: شيعية في الجنوب وسنية وسط العراق وكردية في الشمال. ومشروع بريجينسكي مستشار الأمن القومي السابق الذي يهدف إلى تفتيت الوطن العربي وتحويله إلى كانتونات تضم جماعات عرقية ودينية مختلفة يسهل التحكم فيها واستخدامها أدوات في إثارة النزاعات، بحيث يسمح للكانتون الإسرائيلي أن يعيش في المنطقة. ودراسة ريتشارد بيرل المستشار السابق لوزير الدفاع "الاستراتيجية الإسرائيلية حتى عام 2000" التي دعا فيها أميركا لغزو العراق باعتبار ذلك جزءاً محورياً من الاستراتيجية الإسرائيلية. وما جاء في أطروحة "صراع الحضارات" لصموئيل هنتينغتون.
هذا التوجه الاستراتيجي الخطير الذي بدأ بغزو العراق يتجه الآن إلى تمزيق العراق والمنطقة بأكملها، بهدف السيطرة على ثرواتها النفطية وتأمين ظهور إسرائيل الكبرى. ويبدو ذلك واضحاً في المشهد العراقي بكل ما يحدث فيه، خاصة في موضوع إبراز الدور الطائفي البغيض فيه. ومشروع الدستور العراقي الذي تهدف نصوصه إلى تقسيم العراق ومحو العروبة وتحويل العراق إلى عدد غير معروف من الكيانات التي تتطابق تماماً مع أهداف الاستراتيجية الأميركية- الصهيونية.
الوضع في العراق خطير جداً والشعب العراقي يواجه حرب إبادة وتصعيدا شرسا من قوات الاحتلال وحملة تضليل واسعة حتى من بعض الصحف والأقلام العربية، خاصة بعد أن وقعت أميركا بقوة في مستنقع العراق وأصبحت تعاني من مأزق شديد باعتراف غالبية المحللين السياسيين. أميركا الآن تحاول الخروج من المأزق بأي طريقة، ولم تجد مخرجاً لهذا المأزق إلا بتصعيد الحملات العسكرية ضد المدن العراقية والشعب العراقي، وتكشف مذكرات رجال المخابرات الأميركية عن وجود منظمات إرهابية مشبوهة ووحدات خاصة تابعة للمخابرات الأميركية مهمتها القيام بعمليات إرهابية قذرة. حدث هذا في فيتنام وكوريا وجميع الدول التي غزتها أميركا، وأشار إلى حقيقته "جون يو" أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا في صحيفة "لوس أنجلوس تايمز". وأضاف أن هذه المنظمات الإرهابية لها مواقع على الإنتنرت ومراكز تجنيد ومعسكرات تدريب خاصة. وتحدث عنها دليل العمليات الميدانية الذي نشره الجيش الأميركي عام 1970 والذي ذكر أن مثل هذه العمليات كانت تستهدف إقناع الحكومات الأوروبية بالخطر الكبير الذي كان يمثله الاتحاد السوفييتي سابقاً. وتحدث عنها أيضاً ماهر كايناك أحد أبرز رجال المخابرات التركية في صحيفة "راديكال" التركية، الذي قال إن جميع فعاليات ما يسمى بتنظيم "القاعدة" هي علميات تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وإن الرئيس بوش هو الذي دفع لتحريك هذا الملف لتصفية رأس المال الإسلامي المعتدل في جميع أنحاء العالم، وإن المخابرات الأميركية تستخدم بعض الرجال ويقولون إنهم من عناصر تنظيم "القاعدة" للقيام بعمليات انتحارية في العديد من دول العالم. وأكبر تأكيد لهذا الأمر ما نشر في بعض الصحف عن وحدة "الفئران القارضة" التي وصلت العراق والتي تم إعدادها للقيام بعمليات قذرة مثل: التفجيرات والاغتيالات وتخريب المنشآت من أجل إلصاقها بالمقاومة العراقية. ولأن الطائفة السنية ذات التاريخ النضالي المشرف ترفض الاحتلال والتقسيم والوصاية الأجنبية وتقاوم كل ذلك، فإن المطلوب أميركياً هو إضعافها وعزلها واغتيال الكثير من رموزها. وقد تحدث عن ذلك د. عدنان الدليمي المتحدث باسم مؤتمر أهل السنة وقال: إن الأعمال التي تقوم بها وزارة الداخلية ممثلة في وزير الداخلية جبر بيان صولاغ ولواء الذئب والعقرب والحوت والفهد والنمر والأسد كلها تنهش في لحم العراقيين، خاصة بعد أن أصبحت إيران تلعب دوراً خطيراً في العراق وفق استراتيجيتها المرسومة التي تهدف إلى تصدير الثورة الشيعية إلى المنطقة وتحقيق ما يسمى بالهلال الشيعي.
إن خطورة ما يجرب الآن في العراق تستوجب من الدول العربية والجامعة العربية أن تتحرك سريعاً لحماية العراق من خطر التقسيم والحرب الأهلية، خاصة بعد أن أصبحت بعض الرموز العراقية التي نصبها الاحتلال الأميركي على رأس السلطة، أدوات لتنفيذ لعبة التقسيم في العراق وتسهيل مهمة الاحتلال للسطو على ثرواته.