إن قضية توطين سوق العمل في دولة الإمارات مهمة بالغة التعقيد من الناحية العملية، فالقطاع العام الذي كان بمثابة الملاذ شبه الوحيد لتوظيف المواطنين في الدولة طيلة السنوات الماضية لم يعد كذلك في ظل تشبعه من الوظائف وتزايد أعداد طالبي العمل من المواطنين ومن الجنسين، بينما القطاع الخاص الذي أصبح الملاذ الوحيد لحل مشكلة البطالة في الدولة اليوم يعاني جملة اختلالات تتطلب معالجات شاملة تتجاوز حدود واختصاصات وزارة أو جهة حكومية بعينها. إن مؤسسات القطاع الخاص تخلق خللا كبيرا في نظام الأجور والرواتب بما تعرضه من مستويات متدنية للعاملين لديها، وهو ما يعيق عملية استقطاب القوى العاملة المواطنة، أما الشركات الأجنبية العاملة في الدولة إما أنها شركات صغيرة برأسمال محدود وكثافة عمالية عالية ورخيصة وبالتالي لا تسهم في توفير فرص عمل للمواطنين، أو أنها شركات كبرى ذات كثافة رأسمالية عالية، بينما يعاني الجميع جهلا عاما بالآلية التي يعمل بها سوق العمل المحلي والعوامل والمتغيرات التي تحدد الطلب على القوى العاملة من قبل مؤسسات القطاع الخاص، وحتى في ظل تطور التعليم والتدريب في الدولة بدرجة كبيرة، فإن هذا وحده لن يكون كافيا لإصلاح الخلل في سوق العمل في القطاع الخاص الذي له متطلبات أخرى غير التأهيل المهني والعلمي.
إن التفاوت الكبير في نسب الراغبين في القطاع الخاص، حسب الفئة العمرية، والمستوى التعليمي، يلفت النظر إلى جملة قضايا جوهرية. فانحسار ما يزيد على ثلثي المواطنين الراغبين في العمل بالقطاع الخاص، في الفئة العمرية (20- 29) يؤكد على أن العملية الانتقائية للعمالة المواطنة في اختيار الموقع والقطاع، لا تزال قائمة، حيث إن أغلب المواطنين يبدؤون عملهم في القطاع الخاص، لاكتساب الخبرة والمهارات اللازمة، التي تؤهلهم فيما بعد للعمل بالقطاع الحكومي أو العام. كما أن القطاع الخاص الذي يرغب المواطنون في العمل به يختلف قطاعيا وجغرافيا شكلا ومضمونا، حيث إن هناك ما يزيد على 300 ألف منشأة اقتصادية تعمل في القطاع الخاص، تمثل المنشآت الصغيرة والمتوسطة منها ما يزيد على 98%. إن الخطوة الأولى نحو استيعاب العمالة المواطنة في عمل دائم ومجزٍ ومستقر بالقطاع الخاص، تبدأ أولا بإعادة هيكلة هذا القطاع، من خلال تشجيع هذه المنشآت على الاندماج، ومحاربة الأنشطة الاقتصادية الطفيلية كثيفة العمل التي لا تخدم المصالح القومية للدولة، والحد من إصدار الرخص الجديدة بالنسبة للمنشآت الصغيرة. فالمنشآت الكبيرة وحدها هي القادرة على تلبية المتطلبات المادية وغير المادية للعمالة المواطنة. وكما أن الرهان على القطاع الخاص كلاعب محوري في خطط التنمية البشرية لم يعد رهان دولة بعينها، بل هو توجه عالمي ثبت نجاحه بالفعل كمحرك للاقتصادات المتقدمة، فإن التطورات التي تشهدها الساحة العالمية حالياً تفرض الاندماج خياراً وحيداً أمام المنشآت المحلية في المرحلة المقبلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية