للطبيعة عواصفها وأعاصيرها، وللسياسة عواصفها وأعاصيرها أيضاً. منطقتنا العربية تشهد هذه الأيام قدوم عاصفة القاضي الألماني ديتليف ميليس، رئيس لجنة التحقيق الدولية في عملية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري.
هذه العاصفة الدولية، القادمة باتجاه لبنان وسوريا تبحث عن الحقيقة في عملية الاغتيال، وتتساءل ما هي دوافعها؟ ومن الذي قام بتنفيذها؟ وهكذا تبقى العاصفة، في طورها المتصاعد والمتسارع باتجاه تحويلها تدريجياً إلى إعصار، والذي سيطلق عليه (إعصار ميليس). بداية هذا الإعصار تتجه نحو لبنان وسوريا، وإذا نشط، سيؤثر تأثيراً كبيراً، ويترك بصماته العميقة على مجمل الأوضاع والقضايا المختلفة في البلدين ونظاميهما وفي المنطقة عموماً، بحيث لا يترك ملفاً إلا وقلبه، ولا يترك باباً إلا وفتحه، وسيكشف الكثير من القضايا التي يجب أن تُكشف أمام الجميع، وسيهدم هذا الإعصار حتماً، كل الجدران العازلة بين بعض الأنظمة وشعوبها في منطقتنا.
وكلنا يعرف أن البشر لا يرحبون بقدوم الأعاصير، لأنها تجلب لهم القتل والتخريب والدمار، ولكن قدوم الإعصار "السياسي" الذي لا يؤثر على الشعوب سلباً، بل ستكون دائرة حركته تستهدف كل الذين لا يحترمون الإنسان وحقوقه وحريته ومستقبله، فإن مثل هذا الإعصار السياسي مرحب به شعبياً، ولا يختلف حوله اثنان، فهل ستشهد منطقتنا قدوم "إعصار ميليس" في قادم الأيام؟ وهذا التساؤل يطرح نفسه، لا سيما بعد أن انتقلت حركة التحقيقات من لبنان إلى سوريا وبالعكس، هذه التحقيقات المفتوحة على الجميع، وفي جميع المستويات الحكومية والحزبية والبرلمانية والعسكرية والأمنية ولا تستثني أحداً، كل هذا قد تم بفعل بدايات إعصار "ميليس"، فلولا بوادر هذا الإعصار الدولي، لما تمت بعض الاستجوابات والاعتقالات لمسؤولين أمنيين وسياسيين في لبنان. والعملية مستمرة، وستكشف تفاصيلها ودور كل لاعب فيها من بعيد أو من قريب، وسيظهر المستور للعلن أمامنا جميعا، وحينها تكشف الحقيقة، وإن هذه المرة الأولى التي تسجل في منطقتنا، لحالة متابعة وملاحقة قضية اغتيال أو اختفاء إنسان، بهذا الشكل العلني وبلا حدود، لأن الكثير والكثير من حالات الاغتيال والاختفاء بقيت مجهولة إلى يومنا هذا. ولكن الفضل سيعود إلى "إعصار ميليس" إذا كشفت الحقيقة، فهل هو قادم ومعه الحقيقة؟
حمزة الشمخي- كاتب عراقي