في الدول الأوروبية والولايات المتحدة ذات الاقتصاد الحر، التلاعب بالأسعار يعتبر جريمة جنائية عقوبتها قد تصل إلى ثلاث سنوات!
وفي دولتنا التي أيضاً تنتهج سياسة الاقتصاد الحر، تأتي أخبار زيادة الأسعار كأنها تحصيل حاصل، بل وبحماية حكومية، وكأن من حق البعض التلاعب بأسعار السلع الأساسية ورفعها ادعاء منهم أن السبب هو ارتفاع سعر البترول.
فاجتماع مصنعي المياه المعدنية ومواصلات الإمارات وإعلانهم أنهم سوف يزيدون من أسعار منتجاتهم، لم يواجه بأي اعتراض حكومي أو على الأقل اعتراض وزارة الاقتصاد والتخطيط.
فمن الجريمة أن تتم زيادة أسعار بمثل هذه الصورة الضارية التي جعلت من المستهلك مكتوف الأيدي مكبلاً لا يملك من أمره شيئاً، لأن اتخاذ مواقف الرفض لابد أن تأتي أولاً وأخيراً من وزارة يفترض فيها استيعاب دورها الأساسي في حماية سياسة الدولة في اقتصادها المفتوح. لكن يبدو أن الوزارة مجازة حتى أنها لا يسمع لها صوت، وربما لم تدرك بعد حقيقة هذه الجرائم المرتكبة "شاهر ظاهر" دون حياء ودون حتى اعتذار أو مبرر.
في عام 2004 كانت مكاسب إحدى شركات المواصلات أكثر من ثلاثمائة مليون درهم!
ما هو إذن مبرر زيادة التعرفة؟! لا مبرر، ادعاءات وجشع وتحطيم صامت لاقتصاد دولة تسعى لأن تكون وجهة سياحية من الطراز الأول.
وأحسب أن مثل الاجتماع الذي أعلنت عنه صفحات الجرائد الذي ضم كافة شركات المواصلات، لابد وأن يعاقب عليه القانون، ويعتبر هؤلاء المجتمعين ارتكبوا جناية يستحقون عليها العقاب، لأن سياسة تثبيت الأسعار أو الـ"برايس فكسنج" من أهم أشكال الاقتصاد الحر لحماية المستهلك والحكومة في آن، لكن ما يحدث من انتهاك لهذا الاقتصاد يثير التساؤل حول السياسة الاقتصادية، فهل هي سياسة الاقتصاد المسيّر أو الحر؟ التحديد والالتزام بأنه اقتصاد حر واجب وطني لتتضح الصورة بشكل يبرر ويؤطر كل السياسات التي ترغب أولاً وأخيراً في حماية فكر الدولة الاقتصادي.
والمخجل أن مثل هذه الشركات تعامل المستهلك على أنه قاصر أو مغيب، وإلا ما هو تفسير مثل هذه الاجتماعات المشينة التي يفاخرون بالإعلان عنها؟
لو وقع هذا الأمر في أنجلترا أو الولايات المتحدة لعُرض كل المجتمعين على القضاء، لأنهم ببساطة انتهكوا حقوقاً ليست لهم وتعدّوا على المستهلك بشكل معيب، ولم يراعوا أبجديات الاقتصاد الحر وفلسفته، والتي أشك أن تكون وزارة الاقتصاد والتخطيط ذاتها مدركة لمثل هذه الفلسفة.
الاستغلال المعيب الذي يمارسه البعض لابد وأن توقفه الدولة، وحماية المستهلك ليست ترفاً أو دلالاً لمواطني الدولة الأقلية، إنها أحد أهم واجبات الدولة حين ينتهك فكرها الاقتصادي وتصير المسألة برمتها "حارة كل من أيده إله" على حد المثل الذي يختصر الوضع الحالي، والذي يتطلب ردعاً حازماً لمثل هذه الممارسات المعيبة والتي تسيء للدولة ولسياستها الاقتصادية الرائدة والتي تعتبرها دول المنطقة نموذجاً اقتصادياً ناجحاً يُحتذى به.
ما يحدث انتهاك لدعائم هذا الاقتصاد وتشويه لصورة اقتصادية متميزة وجهل وتعدٍ في حق قاطني الدولة بكافة أطيافهم.
هل ستعرف وزارة الاقتصاد والتخطيط دورها الحقيقي، أم ستكتفي بسلبية مشينة وتسكت عنه في مثل هذه الجرائم؟ ننتظر الإجابة.