خلال اجتماع عقد في مقر صحيفة "واشنطن بوست" الشهر الماضي، توجهت بسؤال بسيط جدا إلى وزير العدل الأميركي "ألبرتو جونزاليس" هو: هل تقوم سياسة إدارة بوش على عدم تعريض المسجونين الأجانب الموجودين في قبضتها إلى "معاملة قاسية، وغير إنسانية ومهينة؟". وهذه العبارة التي وضعتها بين علامتي التنصيص تشير إلى ما اصطلح على تسميته "إساءة المعاملة التي لا ترقى إلى مرتبة التعذيب" وهو إجراء ممنوع بموجب اتفاقية دولية متفاوض عليها من قبل إدارة ريجان، ومصدق عليها من قبل مجلس الشيوخ الأميركي.
بدأ جونزاليس في الرد عليّ ثم تردد، ثم قال إنه غير متأكد وإنه سيرجع إلي مرة أخرى بالإجابة المطلوبة. وفي الأسبوع الفائت اتصلت بمكتبه كي أعرف ما إذا كانت الإجابة جاهزة أم لا وعرفت أنها ليست جاهزة. بدلا من ذلك قال لي متحدث باسم السيد وزير العدل: إن رأي "طاقم" الوزير هو إحالتي إلى الشهادة التي تُليت باسم "جونزاليس" أمام اللجنة القضائية التابعة لمجلس "الشيوخ" الأميركي، بعد جلسة الاستماع المخصصة لتثبيته في منصبه والتي عقدت بتاريخ سابق من العام الجاري. والحقيقة أن هذه الشهادة غير الواضحة إلى حد يبعث على الجنون كانت هي تحديداً التي دفعتني إلى طرح سؤالي على الوزير في المقام الأول.
هناك شيئان خطرا على بالي خلال تجربة التعامل مع الوزير ومكتبه: كيف يمكن لوزير العدل الأميركي ذاته ألا يكون قادراً على الإجابة على سؤال بخصوص المعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة، على الرغم من أن وزارته قد راجعت هذه المسألة مراراً وتكراراً على مدار الأعوام المنصرمة؟ إن "جونزاليس"، وأنا هنا أنبه القارئ، لم يكن يبدو عليه أنه يتجنب الإجابة عن السؤال، إن الرجل ببساطة لم يكن يعرف الإجابة عليه.
أما السؤال الثاني فهو ينبع من الأول: ما الذي يجعل إدارة بوش، على الرغم مما يسببه ذلك من خسارة فادحة للهيبة الأميركية في مختلف أنحاء العالم، تصر على أن يكون موقفها غامضا وملتبسا بشأن هذه المسألة المباشرة؟ وإذا ما كان لدى "جونزاليس" رد، فإنه ربما يكون ذلك القائل إن المحامين الذين تولوا معالجة هذه المسألة في وزارته قد فعلوا ذلك بطريقة يمكنها أن تؤدي بسهولة إلي تضليل شخص مثل رئيسهم، ناهيك عن قيامها بتضليل النقباء والرقباء والمقاولين المدنيين المتهمين فعلا بإساءة معاملة المساجين في دول مثل العراق وأفغانستان أو في معتقل جوانتانامو.
وفيما يلي الإجابة التي سلمت بالنيابة عن "جونزاليس" في يناير الماضي:
"على الرغم من المعاهدة الموقعة في هذا الشأن فإن الإدارة ترى أنه "ليست هناك موانع قانونية" تحول دون المعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة، طالما أن تلك المعاملة تقع على "أجانب وفي دول خارجية". إن هذه الإجابة تعني ببساطة أن السي. آي.إيه مثلا يمكنها أن تعذب بشكل قانوني أشخاصا مشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة، إذا ما كانت تحتجزهم في معتقلات أجنبية سرية، شريطة ألا يصل سوء المعاملة هذا إلى حد التعذيب الصريح. ولكن الكاتب الذي يتولى صياغة بيانات وزارة العدل أضاف إلى ذلك أن الإدارة تريد أن "تتماشى مع معايير المعاهدة" وهو ما يعني أن تلك المعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة ممنوعة عملياً.
هل هي حقا كذلك؟ لقد عرف مجلس "الشيوخ" المعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة من الناحية القانونية بأنها تعني المعاملة التي تخالف التعديلات الخامس والثامن والحادي عشر في الدستور الأميركي. ويقول "جونزاليس" إن جميع أساليب التحقيق والاستجواب قد روجعت للتأكد من تماشيها مع هذا المعيار. بيد أن وزير العدل قد سأل أيضا عن ممارسات محددة ومختلفة كان معروفا أن المحققين الأميركيين قد قاموا بارتكابها مثل الإيهام بالإغراق والإعدام الوهمي والحرمان من النوم وإجبار المعتقلين على التعري واستخدام الكلاب لبث الرعب في النفوس. وكانت إجابته: إن بعض هذه الإجراءات "يمكن السماح به في ظروف مختلفة" . وفي الحقيقة أن إجابته تنطوي على احتمالين لا ثالث لهما: إما أن إدارة بوش تعتبر الإعدامات الوهمية والإيهام بالغرق أموراً مسموحاً بها بموجب الدستور، وبالتالي مباحاً استخدامها من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي بالنسبة للمواطنين الأميركيين، أو أن لديها بالفعل سياسة تقوم على تحريم "الممارسات القاسية وغير الإنسانية والمهينة بالنسبة لجميع المساجين بدون استثناء".
والحقيقة أن "جونزاليس" ليس هو الوحيد الذي اختلط عليه الأمر لأن موقف الإدارة الذي جرى خلطه بمهارة قد أدى إلى مواجهة غير مألوفة بين البيت الأبيض من جانب وبين مجموعة من النواب "الجمهوريين" في مجلس الشيوخ يقودهم "جون ماكين" الذي كان هو نفسه ضحية للتعذيب. و"ماكين" لديه الآن ثمانية من النواب "الجمهوريين" المؤيدين لإجراء تعديل في مشروع قانون التفويض الدفاعي الذي سيمنع المعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة لـ"جميع الأشخاص الموجودين في سجون تابعة لحكومة الولايات المتحدة".
والإدارة تحتج على ذلك بالقول