ربما كان الملف الوحيد الذي يستطيع فيه المراقب أن يلتمس عذراً لوزارة العمل، هو ذلك المتعلق بالسياسة المتبعة في توطين الوظائف. وفي البداية ينبغي الإشارة إلى أن هناك حرصاً من الوزارة على إيجاد بدائل واستحداث آليات لتعزيز معدلات التوطين، وفي هذا الإطار صدرت قرارات عدة لعل من أبرزها وأكثرها إثارةً للجدل، قرار توطين مهنة العلاقات العامة. وما يهمنا هنا ليس القرار ذاته بل ما أُحيط به من جدل حيث انقسمت الرؤى تجاهه إلى قسمين، أولهما يرى ان القرار خطوة صحيحة ومواجهة جريئة واختراق نوعي في مواجهة غول البطالة الذي يهدد شبابنا. وفي مقابل ذلك هناك فريق يرى أن التوطين النوعي ضرورة حتمية وأن ندرة السكان تُحتم علينا الاهتمام بتوطين المناصب نوعياً لاسيما في الجهات السيادية وأيضا تفادي توطين قطاعات أو مهن بعينها على حساب وظائف ومهن أخرى، وإن توطين وظائف "سهلة" -كما وصفها أحد مسؤولي وزارة العمل- لن يسهم في عملية التنمية كما يمنح فرصة ثمينة للعمالة الوافدة للسيطرة على قطاعات العمل التخصصية. وفي إطار وجهة النظر الرافضة للتوطين الكمي أو القطاعي يطرح بعض المتخصصين مقترحات تتعلق بضرورة تعزيز سياسات التدريب وإعادة التأهيل المهني والوظيفي لتعظيم الاستفادة من مواردنا البشرية.
الإشكالية هنا أن وجهتي النظر السابقتين تنطويان على أبعاد منطقية وجوانب إيجابية وتمتلكان قواسم مشتركة رغم تنافرهما من الناحية الظاهرية، فالدولة تحتاج بالفعل إلى الاهتمام بإيجاد فرص عمل لشبابها العاطلين بغض النظر عن الأطر النظرية والقواعد الاقتصادية، التي قد تؤجل أو تتعارض مع بعض السياسات في هذا الشأن، والدولة أيضا بحاجة ماسة إلى تعظيم مردود ثروتها البشرية من خلال خطط استراتيجية طويلة الأمد للاستثمار في التنمية البشرية، وبين الجدل حول هذا وذاك لا ينبغي مطلقا أن يستمر مأزق شبابنا العاطلين عن العمل أو ينتظر هؤلاء الشباب حسم هذا الجدل، وبالتالي من الممكن أن ترتكز خططنا على سياسات متعددة الأمدية بمعنى أن تكون هناك سياسة قصيرة المدى تستهدف توفير فرص عمل عاجلة وأخرى بعيدة المدى تستهدف تنمية الموارد البشرية والتوطين النوعي وهكذا. ولن ننتصر هنا لهذا الرأي أو ذاك ولكن ندعم أي تحرك أو خطوة عملية تستهدف إيجاد فرص عمل للشباب على المدى "القريب جدا"، خصوصاً أن وزير العمل والشؤون الاجتماعية د. علي الكعبي قد أكد أن توطين مهنة مندوبي العلاقات العامة وحده سيوفر نحو 3 آلاف فرصة عمل سنوياً للمواطنين، إضافة إلى أن تجربة "التوطين القطاعي" أثبتت نجاحها في بعض دول مجلس التعاون، فضلا عن أن مفهوم العمل ذاته قد تبدل عالميا وسقط مفهوم "الوظيفة الدائمة"، وبالتالي فلا حرج من توفير فرص عمل ولو مؤقتة أمام شبابنا بحيث تصبح بديلا متاحا لمن يرغب منهم بدلاً من إغلاق جميع الأبواب في سوق يفتح أبوابه للجميع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية