دعونا نلق نظرة فاحصة على بعض العبارات الهامة مثل "الحرب العالمية على الإرهاب". فمنذ وقوع هجمات 11 سبتمبر وهذه العبارة تتردد على مسامعنا إلى درجة أنها اختزلت وباتت تعرف اختصارا بـ "GWOT". ولشدة تداول العبارة من قبل الصحفيين والمسؤولين في الإدارة الأميركية أضحت تشكل الطريقة المثلى لتوصيف واحدة من أهم أولوياتنا الوطنية. إلا أن العبارة المختصرة لا تعطي وصفا دقيقا لعدو أميركا وما نحن بصدده من صراع. فهي لا تسهم في تكوين صورة واضحة عن العدو ومعرفته بالشكل المرغوب، ما يصعب علينا ربح معركة الأفكار ذات الأهمية القصوى في صراعنا الشامل ضد الإرهاب. وقد يكون لوكيلة وزارة الخارجية الجديدة لشؤون الدبلوماسية العامة السيدة كارين هيوز المكلفة بمهمة إدارة صراع الأفكار في هذه الحرب فرصة مناسبة لمعالجة المشكلة إذا ما هي أبدت استعدادها لتغيير بعض الأفكار المتغلغلة في خطابنا السياسي.
فلا خلاف على ضرورة استعمال كافة السبل الممكنة لإيقاف الإرهابيين وحماية بلدنا من خطرهم بكل ما يعني ذلك من استعمال القوة والاعتماد على أجهزة استخباراتية على درجة عالية من الكفاءة. لكن ما يجب أن نلتفت إليه هو أن هؤلاء الإرهابيين ليسوا أكثر من الذراع الطويلة التي يسلطها أصحاب أيديولوجية متوحشة. وليس ذلك جديداً على الإرهابيين، حيث تعودوا الاستعانة طيلة تاريخهم بالأفكار والتصورات التي يضعها القادة الملهمون والمحرضون على العنف. وعلى الرغم مما يبدو على الجماعات الإرهابية من تشرذم وصراعات داخلية، فإنهم يشكلون وحدة متكاملة لها أهدافها وأبطالها وأساطيرها وشهداؤها. وقاسمهم المشترك هو أفكارهم العدائية تجاه الغرب، كما أن هدفهم المعلن هو القضاء على الجناح المعتدل في الإسلام وإقامة دولة دينية إسلامية تسعى إلى استنساخ عصر أسطوري ذهبي.
ومن بين الوجوه الإرهابية الأبرز عالمياً هناك واحد يشبه إلى حد كبير وجه أدولف هتلر سنة 1941، إنه وجه الرجل المسؤول عن هجمات 11 سبتمبر. والغريب في الأمر أنه خلافاً لما قام به روزفلت وتشرشل تجاه هتلر، لم تجعل الولايات المتحدة من أهدافها الأساسية تعرية ذلك الوجه وكشف أوجه التشابه بينه وبين الدكتاتور البائد. فكانت النتيجة أن أُهمل أسامة بن لادن، خلافاً لصدام حسين، ولم يحظَ بالتركيز من قبل المسؤولين في واشنطن. ولعل الجدير بالذكر هنا أن الإرهاب ليس غاية في حد ذاته بل وسيلة لجأت إليها العديد من الحركات على مر التاريخ لتدمير وإلحاق الشلل بالنظام القائم، وجذب الأنظار إلى قضيتهم. وفي هذا السياق كان مستشار الأمن القومي للرئيس الأسبق جيمي كارتر زبيجنيو برجينسكي قد شبه الحرب على الإرهاب "بالحرب على الحرب" واضعاً نفسه هدفاً لسهام النقد القاسية. وهي نفس الانتقادات التي تعرضت لها شخصياً عندما أدليت بتصريح لمجلة "نيويورك تايمز" قلت فيه إن الحرب على الإرهاب هي حرب مجازية "كالحرب على الفقر".
وبصرف النظر عما يتردد عن الحرب العالمية ضد الإرهاب، إلا أني لا أعتقد أن الولايات المتحدة تخوض فعلاً حرباً على ذلك النطاق؟ فكرهنا للإرهاب في سريلانكا مثلا لا يعني أننا طرف في الحرب الأهلية هناك، أو في أي مكان آخر يعاني من الإرهاب مثل نيبال أو أوغندا أو إقليم أتشيه الإندونيسي. هذا ويعزى إدراج الإدارة الأميركية لأحداث 11 سبتمبر والعراق ضمن الحرب على الإرهاب في إطار الجهود الرامية إلى حشد التأييد الشعبي لشن الحرب على العراق، وذلك بالرغم من انعدام الأدلة التي تثبت الصلة بين الطرفين. ولا شك في أن مقولة الحرب على الإرهاب أثبتت نجاعتها في كسب تأييد الأميركيين لحربنا المثيرة للجدل في العراق. ويؤكد ذلك ما قاله الصحفي دان فرومكين من أن الحرب العالمية على الإرهاب شكلت "الاستعارة التي لجأ إليها بوش بانتظام كسلاح قوي في معركته لحشد الرأي العام الأميركي".
وبالرغم من أن الحرب على الإرهاب ستستمر لمدة طويلة حتى بعد تصفية بن لادن أو القبض عليه، وستخلف العديد من الضحايا كما خلفه الصراع مع الفاشية والشيوعية، إلا أن تركيزنا يجب أن ينصب على الأفكار والهجوم على الشخص الذي يقف وراءها. وكبداية يتعين تشويه سمعة أسامة بن لادن حتى وهو طليق وعدم الاطمئنان إلى أنه مجرد جزء بسيط من الحرب الشاملة. فهو مازال ينظر إليه كبطل من قبل الملايين من المسلمين عبر العالم، حيث يرتدون قمصاناً تحمل صورته، ويسمون أبناءهم تيمنا باسمه. لذا يجب أن تصبح عملية فضحه ومهاجمة أفكاره على قمة أولوياتنا، خصوصاً وأنه يمثل دور من يحرض على العنف ويدعو للقتل. لكنه مع ذلك يظل شخصية كاريزمية تجتذب العديد من الأشخاص. وبالرجوع إلى "كارين هيوز" وكيلة وزارة الخارجية، فإني أعتقد أنها مؤهلة تماما، بما تملكه من نفوذ تستمده من الرئيس بوش، كي تصنع التاريخ. وللقيام بذلك يتعين عليها البدء بتغيير الخطاب السياسي للإدارة الأميركية المرتكز على الحرب العالمية على الإرهاب وجعله أكثر تركيزاً على الأفكار المتشددة والمسؤولين على إطلاقها والترويج لها.
و