تتعرض كرتنا الأرضية للعديد من الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية كل عام، ومن هذه الكوارث المجاعات الناتجة عن الجفاف الذي يصيب العديد من البلدان الإفريقية الواقعة في حزام الصحراء الكبرى. كما أن الأمطار والفيضانات التي تصيب سنوياً سكان شبه القارة الهندية وبنغلاديش، والصين وغيرها من البلدان الآسيوية والأوروبية تثير الكثير من اهتمام المختصين وغير المختصين على حدٍ سواء.
ولا شك أن العام الماضي شهد كوارث طبيعية تمثلت في "تسونامي" الذي ضرب بلدان المحيط الهندي وقتل العديد من الناس الذين يعيشون في الجزر أو على شطآن المحيط الهندي من إندونيسيا شرقاً وحتى بعض بلدان شرق إفريقيا في الغرب. ولقد رأيت بعض آثار هذا الدمار الذي أحاط ببعض الجزر الواقعة في جنوب شرق آسيا هذا الصيف، إلا أن الناس هناك عادوا ليبنوا حياتهم من جديد، بعد أن فقدوا أهاليهم وأحبتهم. ويتذكر المرء عبر الأفلام السينمائية حجم الدمار والأوبئة التي كانت تخلفها فيضانات نهر النيل السنوية التي كانت تحصد الحرث والنسل في ذلك الوادي منذ عهد الفراعنة، وحتى وقت قريب، حين أنشأ السد العالي وغيره من السدود والخزانات على مجرى النهر للتحكم بهذه الفيضانات الموسمية، والحد من آثارها التدميرية.
واليوم حين يرى المرء حجم الدمار الذي لحق بمدينة نيوأورليانز وولاية ألاباما الأميركية نتيجة للأعاصير والفيضانات التي ضربت هذه المنطقة يشعر بالحزن والأسى لما أصاب هؤلاء البشر ومعظمهم من السود والفقراء. ومع أنهم يعيشون في أغنى وأقوى دولة في العالم، إلا أن ذلك لم يحمهم من الحجم الهائل للدمار وعدد الموتى الذي قد يتجاوز عشرة آلاف شخص.
وقد أثارت هذه الكوارث أحاسيس العديد من المتشائمين، وأصحاب النذر الذين جعلوا من هذه الكوارث وكأنما هي غضب من الله يصبّه على البشر لما اقترفوه من آثام بحق أنفسهم، وحق بعضهم بعضاً. ونسي هؤلاء المنذرون أن الله رحيم بعباده، وأن الكوارث الطبيعية والموت الذي يصحبها ليست إلا جزءاً من قدر محتوم، ونحن كمسلمين نؤمن بالقدر خيره وشره، ويجب أن نقبل ما يصيبنا من شر، بقدر قبولنا بما يصيبنا من خير.
ويتذكر المرء بعض النظريات التي طرحت حينما ضرب "تسونامي" حوض المحيط الهندي، وقيل يومها إن التفجيرات النووية ربما تكون قد سببت تصدعات أرضية ساهمت في إحداث هزات في قشرة الأرض وزلازل تحت الماء، وأن هذه الزلازل هي التي تسببت في حدوث ذلك الفيضان العارم. وأذكر أنني طرحت هذا الموضوع لزميل يدرّس مادة الجيوفيزياء، فضحك بملء فمه وذكر لي أن معظم التجارب النووية محدودة في حجمها، وأنها لا تتعدى مائتي متر تحت سطح الأرض. وأنه لا يمكن لمثل تلك التجارب أن تنتج عنها زلازل تؤثر على قاع المياه مثلما حدث قبل عدة أشهر في جزيرة سومطرة الإندونيسية.
وبينما يحاول كل قوم أن يعكسوا آراءهم ومعتقداتهم في أسباب حدوث هذه الكوارث الطبيعية، فإن أقواماً آخرين حاولوا ضرب أجراس الإنذار من أن هذه الكوارث الأرضية المحدودة في نظرهم، لن توازي آثارها التدميرية ما يمكن أن يحدث حين تصطدم أجرام سماوية ونيازك بسطح الأرض. وهم يذهبون إلى أن بعض الأجرام السماوية التي يبلغ حجمها كيلو متراً واحداً يمكن أن تضرب الأرض كل خمسة عشر إلى ثلاثين مليون سنة. وأن مثل هذه الأجرام إذا ما اصطدمت بالكرة الأرضية فيمكن لها تدمير مدينة بأكملها، حيث يبلغ حجم الضربة التي تولدها ما يعادل مليون ميجا طن من المتفجرات، وأن حجم الدمار الذي ينتج عنها يساوي مائتي ضعف لما أصاب مدينتي هيروشيما وناجازاكي حين ضربتا بالقنابل النووية قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية.
وحين ينظر المرء إلى الآثار الاقتصادية لمثل هذه الكوارث الطبيعية، فسيرى أن حجم الدمار الذي تخلفه كل واحدة منها يساوي أكثر من مئة مليار دولار. وهو عبء اقتصادي ضخم يهز أكبر اقتصاد في العالم مثل اقتصاد الولايات المتحدة، وربما يؤثر على حجم الاستثمارات والنمو الاقتصادي فيها لفترة طويلة قادمة.
ما يهمنا هنا هو أن العالم العربي قد حماه الله من آثار كثير من مثل هذه العواصف المدمرة، ولكن هذا العالم تتهدده أحزمه الزلازل سواء في الهضبة الإيرانية أو الهضبة التركية، أو في صفيحة البحر الأحمر التي تتحرك باستمرار كما يذكر الجيولوجيون. ومع أن مراصد الزلازل قد انتشرت في أجزاء كبيرة من العالم وفي وطننا العربي كذلك، فإن هذا يعني أن قدرة المتخصصين والدول العربية أصبحت أفضل من قبل، إلى حد كبير في رصد حدوث أو احتمال حدوث هذه الزلازل قبيل وقوعها.
وهناك حاجة فعلية إلى مراجعة معايير البناء في بعض المدن العربية التي بدأت ترتفع فيها ناطحات السحاب للتأكد من أن هذه المباني قادرة على الحركة البطيئة والاستجابة لبعض تحركات القشرة الأرضية، مثلما هو الحال مع المباني التي تبنى في اليابان ولوس إنجلوس وغيرها من المدن المهددة بمثل هذه الزلازل.
كما أن خطط الإنقاذ يجب أن تتطور بشكل أكبر لتأخذ في الحسبان حدوث مثل هذه الزلازل، واختب