لا حديث اليوم بين الناس إلا عن ارتفاع الأسعار ومشكلة الغلاء التي أصبحت هماً كبيراً تعاني منه الأسرة الإماراتية وخاصة أصحاب الدخل المحدود الذين أصبحوا في أزمة حقيقية في ظل مثل هذا الغلاء.
ارتفاع أسعار البترول الأخير بنسبة 31.5 في المئة والذي سيرتفع أيضاً مرة أخرى بعد ستة شهور بنسبة 20 في المئة، سوف يضاعف هذا الهم المعيشي الذي تعاني منه الأسرة الإماراتية. وبصراحة إن هذا الارتفاع سوف يأكل كل أثر أو فائدة للزيادة التي قررتها الحكومة في الرواتب والتي كانت تستهدف رفع مستوى المعيشة للمواطنين، خاصة بعد أن تعوّد بعض التجار على استغلال مثل هذه الفرص لابتكار آلاف الأسباب والحيل والمبررات لرفع الأسعار وتحويل الأمر إلى ما يشبه "لعبة القمار" لتحقيق أكبر كم من الربح على حساب ظروف الإنسان الإماراتي.
وحتى تبدو الأمور أكثر وضوحاً، فإن خطورة هذا الغلاء تكمن في الضغوط والآثار الاجتماعية والاقتصادية التي ستؤثر على الكثير من الحاجات التي تتصل بحياة الإنسان الإماراتي، سوف تؤثر على الإعانات الاجتماعية لذوي الدخل المحدود التي لن تكفي لتوفير أبسط الاحتياجات اليومية لهم، وعلى منحة الإسكان التي لن تكفي لبناء سكن بسيط، وستكون لها آثار مستقبلية شديدة الخطورة، والتي أشارت إليها الدراسة المهمة التي قامت بها غرفة تجارة وصناعة أبوظبي، أهمها عدم تمكن الأسرة الإماراتية من الادخار وانعكاس ذلك على ضعف الاستثمار التراكمي، ومنها ما ينعكس على الصحة وعلى إنتاجية الأفراد وصعوبة قيام مؤسسات صغيرة ومتوسطة وارتفاع نسبة الإفلاس في الشركات والأفراد، وارتفاع نسبة البطالة والباحثين عن عمل، ولجوء بعض الأسر إلى الهجرة وزيادة نسبة الاقتراض من المصارف، وظهور مواد استهلاكية بديلة ذات جودة منخفضة وضارة بالصحة تؤدي إلى انتشار الأمراض ومشاكل اجتماعية تتركز في البحث عن الكسب غير المشروع، وعدم مقدرة الأسرة على الوفاء بالمتطلبات الأساسية للأبناء وزيادة نسبة الأمراض النفسية والتوترات العصبية وحالات الاكتئاب والإحباط، التي ستوثر في الإنتاجية، وظهور ضغوط مادية ونفسية واقتصادية على الأفراد والأسرة وزيادة ساعات العمل لتوفير الحاجات الضرورية، والعزوف عن الزواج بسبب عدم القدرة على تحمل المصاريف والتكاليف، مما يزيد من العنوسة والانحرافات الأخلاقية ومشاكل أخرى لا حدّ لها، منها إمكان ارتفاع نسبة الطلاق بسبب عدم الاستقرار المادي للأسرة. هذه النتائج والآثار الخطيرة تحتم علينا أن ندرس حالة هذا الغلاء والارتفاع في الأسعار والذي أصبح يتصاعد منذ عام 1999 بدقة ووضوح، وأن نضع له استراتيجية وقائية وأن نجعلها ضمن أهدافنا الكبرى ومشروعاتنا المستقبلية.
نحن لا ننكر الجهود التي تقوم بها الحكومة لعلاج هذه الظاهرة ولا ننكر أيضاً أن هناك أسباباً قد تكون خارج قدرة الحكومة، مثل ارتفاع أسعار الطاقة في السوق العالمية، وتقلب سعر الدولار والعملات الأجنبية الأخرى والأزمات السياسية والمناخية والكوارث الطبيعية التي تحدث في الدول التي نستورد منها، وزيادة أسعار السلع المنتجة في بلد المنشأ وزيادة الرسوم الجمركية... لكن هذا لا يمثل كل المرتكزات الخاصة بالمشكلة، بل إن هناك الكثير من الحلول التي يمكن التوصل إليها لعلاج هذه الظاهرة أهمها: 1- وضع استراتيجية وقائية بعيدة المدى تتكيف حلولها مع كل هذه المؤثرات. 2- توسيع دور الجمعيات التعاونية وإنشاء الكثير من الفروع لها في مناطق وأحياء الدولة.
3- تكثيف الجهود وزيادة العمل على مراقبة الأسواق يومياً لرصد جميع الأسعار المتداولة على السلع ونسبة التغيرات التي قد تحدث فيها. 4- زيادة المعروض من السلع الأساسية بالأسواق من خلال الجمعيات التعاونية.
5- تفعيل دور جمعية المستهلك وإصدار قانون خاص بحماية المستهلك.
6- زيادة نشر ثقافة الوعي الادخاري عند الأسرة الإماراتية بمختلف الوسائل.
7- مواجهة جشع التجار بإجراءات فعلية وقوية وبطرق مباشرة وغير مباشرة، لأن حرية الأسواق لا تعني أن تتحول هذه الأسواق إلى فوضى يمارس من خلالها التجار ما يريدون، بل تعني حماية الناس من جشع التجار. وهذا ما قاله أحد رؤساء فرنسا عندما سئل عن أسهل تعريف لنظام السوق الحر "الرأسمالية" فقال: عبارة عن غابة كبيرة، الكبير فيها يفترس الصغير والقوي يفترس الضعيف ما لم يكن هناك الأسد. ويقصد بذلك القرار الحكومي القوي الذي يحفظ حق المستهلك.