إن المعادلة الاقتصادية، التي تحكم سوق العمل بالدولة من حيث النمو والتطور الاقتصادي، الذي يشهد قفزات في مختلف المجالات في مجتمعنا، لا يمكن أن تؤدي إلى تقليل العمالة الوافدة، لأن المشاريع التي تُنفذ تتطلب مئات الألوف من العمالة الزائدة سنوياً، وإحصاءات وزارة العمل تقوي ما نذهب إليه، ففي العام 2004 بلغت نسبة الزيادة في عدد العمالة الوافدة بالدولة 20% ليصل حجمها إلى مليونين و350 ألف عامل، وهو ما يعني بالتأكيد أن فرص العمل المتاحة في سوق العمل في ازدياد مستمر.
وقرار وزارة العمل والشؤون الاجتماعية باستثناء أكثر من 1000 مهنة ووظيفة من شرط الحصول على الثانوية العامة لاستقدام العمالة، وهو ما يعادل قرابة 50% من إجمالي المهن الموجودة بالقطاع الخاص والتي تزيد عن 2105 وظيفة ومهنة، يُعد عاملاً مباشراً في انتشار العمالة غير الماهرة، والتي تنضم بعد فترة وجيزة من قدومها إلى عمالة هامشية تبحث لها عن أي وظيفة.
وسط هذا البحر الهائج من تدفق أمواج العمالة المستوردة إلى الدولة، لا تتوفر وظائف شاغرة للمواطنين إلا بشق الأنفس وبالقرارات السياسية للتدخل في بعض القطاعات المحددة كالبنوك والمصارف والتأمين والتجارة العامة، التي لم تستكمل أنصبتها المقررة حتى الآن، رغم مناشدات ومتابعات (تنمية)، الجهة المعنية بتوفير فرص العمل الملائمة للمواطنين الباحثين عن عمل.
فعملية التوطين يجب أن تركز على النوع وليس على الكم، لأن إجمالي أعداد المواطنين الباحثين عن عمل في الدولة لن تغطي احتياجات القطاعات المختلفة، إلا أن النوع يمكن أن يكون هو الحل البديل لتطبيق مفهوم الموظف المواطن الشامل، الذي يمكن أن يغطي عمل أكثر من شخص، وذلك عبر مروره ببرامج تدريبية تقوي لديه مهارات (السوفت وير) لمن لا يمتلك غير (الهارد وير) التي تتمثل غالبا في المؤهلات العلمية لحديثي التخرج.
إن نوعية العمالة الوطنية هي التي تستطيع أن تتغلب على تحديات البطالة ومشكلاتها لإثبات أن الفكرة المسبقة بأن المواطن يغلب عليه الكسل، يجب أن تزول وتتغير النظرة إليه، بعد أن قبل آلاف المواطنين العمل في وظائف ومهن لا علاقة لها بالمناصب العليا ولا بالرواتب الفلكية، وإنْ كان من حق المواطن الوصول إلى تلك المراتب الحساسة التي يشغلها الوافدون في القطاع الخاص للحفاظ على الأمن الاقتصادي للوطن.
إننا لا نستطيع أن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء ونردد المقولة المكررة بأن المواطنين في أوائل الستينيات كانوا أغلبية السكان في الدولة. أما اليوم فهم أقلية لأن التركيبة السكانية السابقة يصعب إعادتها اليوم كما كانت من قبل، لأننا نمر أمام متغيرات يصعب إعادة تشكيلها لتتلاءم مع العقود السالفة، وإن كل ما علينا فعله هو استحداث البدائل القابلة للتطبيق في ظل واقعنا المعاش.
فلابد من تهيئة كل مواطن باحث عن عمل، على أن يكون نوعاً مميزاً أمام هذا الكم المتدفق من العمالة المتزايدة في المجتمع، لأن المعادلة الاقتصادية السائدة في الدولة وفق هذا النمط المتسارع من النمو، عليها أن تأخذ في الاعتبار ضرورة الاستعانة بنوعيات من المواطنين القادرين على التواصل والتأقلم مع المتغيرات من حولنا والتي قد نملك زمام بعض عواملها في الداخل، وأخرى خارجة عن إرادتنا لأنها تأتي كجزء رديف لضغوطات العولمة في جانبها الاقتصادي والاجتماعي الذي لا خيار لنا في الابتعاد عنه، فالعنصر البشري هنا هو حجر الرحى الذي عليه طحن ما يواجهه من صخور التحديات، فهو القادر على ذلك إذا ما جعل المستحيل وراء ظهره.