حتى شهر أغسطس الماضي، كان الرئيس بوش يواجه نقدا متزايدا من الرأي العام الأميركي بشأن طريقة معالجته للوضع في العراق. وقد ظل هذا النقد يتصاعد ببطء عبر العامين الماضيين حسب تطورات الأوضاع في بلاد الرافدين.
وهكذا فإنه عندما تدهورت تلك الأوضاع، فإن الدعم الذي كان يحظى به بوش من غالبية الشعب الأميركي قد تضاءل هو الآخر. وبحلول شهر أغسطس الماضي، كانت نتائج استطلاعات الرأي تبين أن غالبية الأميركيين يعتقدون أن النهج الذي يتبعه بوش في العراق قد أثبت فشله، وأنه كان من الخطأ أن يقوم الجيش الأميركي بالتدخل في هذا البلد من الأساس. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل إن مؤيدي الرئيس أنفسهم قد وجدوا قصورا في سياسته "الخليجية".
وبعد ذلك، وفي نهاية شهر أغسطس، احتلت الأخبار القادمة من "خليج" مختلف، عناوين الصحف الرئيسية وصدارة النشرات والبرامج التلفزيونية، وذلك عندما ضرب الإعصار "كاترينا" ولايات لويزيانا والمسيسبي وألاباما على ساحل خليج المكسيك. وقد أظهرت التغطية التلفزيونية التي كانت تتم على مدار الساعة حجم الدمار الرهيب الذي سببه الإعصار في تلك المناطق. ففي بحر يوم واحد كان ثلاثة ملايين إنسان تقريبا قد أصبحوا بدون كهرباء، كما فقد الآلاف مساكنهم، ولقي الكثيرون مصرعهم. واضطر ما يزيد على 100 ألف من الفقراء الذين لا يمتلكون سيارات، ولا تتوافر لهم الإمكانيات المادية، إلى الانتقال إلى ملاجئ مؤقتة أقيمت على عجل في استادات كرة قدم أو قاعات مؤتمرات.
وهذه الكارثة لا علاقة لها بالعراق. فقد حدثت في الولايات المتحدة وليس في الشرق الأوسط، فضلا أن قوى الطبيعة هي التي تسببت فيها لا قوى أخرى. ومع ذلك فإن الأميركيين ربطوا بينها وبين العراق كما ربطوا بينها وبين "الخليج" الآخر.. والسؤال هنا: ما هي الروابط التي تربط كل ذلك؟
الرابطة الرئيسية، كانت نشر قوات الحرس الوطني في العراق. فهذا الحرس المكون من وحدات عسكرية ملحقة بكل ولاية من الولايات الأميركية، يتكون من جنود احتياطيين يتم استدعاؤهم للخدمة عند الحاجة، سواء للتعامل مع كوارث طبيعية أو للمشاركة في عمليات عسكرية أو حروب في الخارج. والذي حدث هو أن أعدادا كبيرة من هؤلاء الجنود أرسلت للعراق لاستكمال النقص في أعداد جنود الجيش النظاميين. وعندما تم مد فترة خدمتهم في العراق لفترات طويلة وغير متوقعة بسبب المشاكل الأمنية المتزايدة في هذه البلد، فإن عائلاتهم بدأت تشعر بالغضب تجاه الرئيس بوش. وعندما ضرب الإعصار "كاترينا" ضربته، زاد حجم هذا الغضب لأن الكثير من وحدات الحرس الوطني، التي كان منوطا بها التعامل مع الكارثة لم تكن موجودة لأنها كانت تخدم في العراق. أما العشرة آلاف جندي من جنود الحرس الوطني المنتمين إلى الولايات الجنوبية الثلاث التي ضربها الإعصار وهي لويزيانا والمسيسيبي وألاباما فقد شعروا بغضب شديد، لأنهم لم يكونوا موجودين بجانب عائلاتهم وجيرانهم عندما دهمهم الإعصار.
ونتج عن ذلك أن المطالبة بإعادة تلك القوات إلى الوطن قد تزايدت.
من ضمن الروابط الأخرى مع العراق ذلك الرابط الخاص بسعر الجازولين. فمعظم مصافي النفط الأميركية تقع في المنطقة التي ضربها الإعصار الذي تسبب في إغلاق تلك المصافي، وفي ارتفاع سعر الجازولين في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وكانت أسعار الجازولين قد ارتفعت قبل حدوث الإعصار لأسباب مختلفة، ولكنها عندما ازدادت مرتين أو ثلاث مرات نتيجة للإعصار في بعض المدن فإن ذلك أدى إلى تفاقم المشكلة. وقد أدى ذلك بدوره إلى تركيز أنظار الشعب الأميركي على موضوع إمدادات النفط، ودفع البعض منه إلى القول إن الأمر يتطلب أن تقوم الولايات المتحدة وعلى نحو عاجل بالبحث عن وسائل تجعلها أقل اعتمادا على بترول الشرق الأوسط. وتذكر بعض النقاد في هذا السياق أن الرئيس بوش كان قد قال إن العراق سيكون قادرا على دفع قيمة احتياجاته الاقتصادية بسهولة، من خلال عوائد صادراته النفطية ولكن ذلك لم يحدث، حيث لا يزال العراق حتى هذه اللحظة بحاجة إلى الحصول على مساعدة مالية من الولايات المتحدة الأميركية.
الرابط الثالث الذي يراه الأميركيون بين الإعصار والعراق هو ذلك الخاص بنمط قيادة جورج بوش وطريقة استجابته للمشكلتين. فالنقاد يقولون إن إدارة بوش كانت بطيئة للغاية في التصدي للإعصار، تماما مثلما كانت بطيئة في التصدي للمشاكل التي برزت في العراق. علاوة على ذلك، فإن الرئيس بوش دائما ما يرفض الاعتراف بوجود أي مشكلة، كما أنه يبدو لا مباليا تجاه المعاناة البشرية. فالمناظر المؤلمة التي تظهر على شاشة التلفزيون كل يوم، والتي تصور مواطنين أميركيين، وهم يواجهون المصاعب بسبب الإعصار صدمت الرأي العام الأميركي، ولكنها - وكما بدا- لم تحرك الرئيس بوش، ولم تدفعه لاتخاذ إجراء عاجل. فضلا عن ذلك، فإن التقارير المتعلقة بأحداث العنف والسلب والنهب الذي حدثت بعد الإعصار في مدن مثل نيوأورليانز ولويزيانا، أدت إلى تصاعد النقد الموجه لبوش، وإلى قيام الأميركيين بعقد المقارن