قلما فضلت بعض الأنظمة الدكتاتورية العربية أسلوبا آخر للتعامل مع خصومها السياسيين غير أسلوب الأذى الجسدي والقتل والتصفية المباشرة، لذلك أحاطت شكوك وشبهات كثيرة بحادثة مصرع العقيد جون قرنق الشهر الماضي، رغم أنه كان قد وضع حدا لتوه للتمرد الذي قاده سنين طويلة في جنوب السودان عندما وقع اتفاق سلام مع السلطة المركزية التي نصبته نائباً أول لرئيس الجمهورية، وأصبح بالتالي جزءاً من التركيبة السياسية القائمة هناك.
إلا أن البعض حاولوا، وعن نية مبيتة، أن يزجوا بالسودان في تلك الحادثة التي اتضحت جميع أبعادها منذ البداية، إذ تحطمت الطائرة، وكانت تقل قرنق ومرافقيه، إثر ارتطامها بسفح جبل وسط عواصف رملية وظروف جوية سيئة.
وقد جاءت تصريحات سيلفا كير الذي خلف قرنق على رأس "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، كي تثبت مرة أخرى أنه لم يكن للحكومة السودانية أية مسؤولية في حادثة الطائرة الرئاسية الأوغندية خلال رحلتها التي أقلعت من كامبالا قبل أن تتحطم في منطقة تقع تحت سيطرة القوات المسلحة والاستخبارات التابعة للحركة. وجاءت كلمات كير وعبارات ثنائه على سير التحقيق، لتقطع الشك باليقين، ولتفوت فرصة "ثمينة" على أولئك الذين حاولوا توريط السودان في حادث سرعان ما أعلن الأميركيون أنفسهم أنه عرضي!
لكن لماذا صمت الذين طالما صوروا قرنق بوصفه قائدا فوق شروط الضعف البشري، بعدما اتضح أنه كان قد أمن على حياته بسبعة ملايين دولار لدى شركة أميركية كبرى جاءت لتلتحق بسير التحقيق، أفلم يكن في جنوب السودان آلاف الجياع ليس لهم تأمين على اللقمة التي لا يجدونها؟!
عبد الدايم نور- كوردفان