إن قضية التلاعب بسهم بنك دبي الإسلامي، وما تبعها من تحقيقات أولية، ومن ثم إحالة الملف برمته إلى القضاء للبت فيه، تطرح قضية جوهرية أخرى ذات صلة، تتعلق بمدى حاجة الدولة إلى محاكم اقتصادية متخصصة، في ظل تشعب وتشابك القضايا الاقتصادية والتجارية والمالية، وتعدد أنواع الجرائم الاقتصادية، وهيمنة هذا النوع من الجرائم على الملفات القضائية التي تعرض على محاكم الدولة. فالجرائم الاقتصادية آخذة في النمو والتطور والتنوع بصورة مستمرة، مما يؤكد أهمية النظر في إمكانية تخصص القضاء في أحد أهم المجالات التي لها تأثير مباشر على النشاط الاقتصادي، وذلك على غرار النظم المعمول بها في العديد من الدول المتقدمة، مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وإن اختلفت الأولويات. وفي ظل الطفرة الاقتصادية التي تشهدها الدولة حالياً، وتنوع واتساع رقعة القاعدة الاقتصادية، والجهود الكثيفة التي تقوم بها حالياً في عدد من الاتجاهات بغرض تهيئة البيئة الاستثمارية وتبسيط الإجراءات أمام المستثمرين وتطبيق القوانين والتشريعات الاقتصادية والتجارية والمالية بشفافية، مما يتطلب تطوير الجهاز القضائي بما يتناسب والتطورات الاقتصادية، الأمر الذي يضع على بساط البحث إنشاء محاكم متخصصة للنظر في النزاعات الاقتصادية بجميع أشكالها وتسريع إجراءات التقاضي، مما يتفق مع روح العصر، ويخفف العبء عن قضاة المحاكم العادية المشغولين بالعديد من القضايا بالمدينة. فالمرحلة المقبلة تتطلب قضاء اقتصادياً متخصصاً يفهم دقة المسائل الاقتصادية وتعقيداتها، بهدف معالجة مشكلة البطء في حسم القضايا الاقتصادية، وحتى يشعر المستثمر بالثقة في إمكانية حصوله على كامل حقوقه في أسرع وقت، وهو ما سينعكس إيجاباً على زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الاقتصاد القومي.
إن المرحلة المقبلة، وما يتوقع أن تشهده من مستجدات وتحولات اقتصادية مهمة على جميع الأصعدة، تتطلب إيجاد التخصص المنشود في القضاة الذين ينظرون الدعاوى المتعلقة بالقضايا الاقتصادية المختلفة. ويمكن إنشاء هذه المحاكم الاقتصادية بدائرة اختصاص المحاكم الابتدائية بحيث تجمع الشقين المدني والجنائي للمنازعات التي تنشأ نتيجة ممارسة النشاط الاقتصادي تحت سقف محكمة واحدة، كما يمكن تحديد اختصاصات هذه المحكمة بشكل حصري، مراعاة لعنصري التخصص والسرعة، وهو ما يتطلب الارتقاء بمستوي الخبرة المطلوبة في القضاة العاملين بهذه المحاكم، وإعدادهم عن طريق دورات تدريبية في المجالات الاقتصادية التي تدخل في نطاق دائرة اختصاصهم، كأسواق رأس المال والأوراق المالية، والملكية الفكرية، والاستثمار، وغسل الأموال، وغيرها من المجالات التي تتركز حولها الجرائم الاقتصادية. وفي خضم الحديث عن محاكم الأمن الاقتصادي، فلابد من الإشارة إلى أن التشريعات والقوانين الاقتصادية المعمول بها في الدولة حالياً، كالقانون التجاري، وقانون الشركات، والقانون البحري، وقانون العمل، وغيرها من القوانين الاقتصادية، لا تزال، رغم التعديلات المستمرة والتطويرات المتلاحقة عليها، عاجزة عن اللحاق بالثورة الاقتصادية السريعة التي تشهدها البلاد، وتعاني قصوراً واضحاً في مواكبة التقدم الاقتصادي والتقني، مما يتطلب إعادة طرحها وتعديلها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية