في الحقيقة أن معظم الحالات التي تردنا غريبة وعجيبة فهناك حالة شاب فقد النطق فجأة وبدون سبب، ولما قرأنا عليه الرقية نطق بلغة أجنبية واضحة وسليمة مع العلم أنه شخص لا يعرف القراءة والكتابة وذلك لأن الجن الذي كان يتلبسه ويمسك لسانه اسمه (جورج) كان أجنبياً وعندما خرج عاد الشاب لطبيعته وكأن شيئا لم يكن!!
ويضيف صاحبنا الذي قابلته جريدة الرأي العام الكويتية بقوله "هناك حالة أخرى لفتاة في الخامسة والعشرين قرأت عليها فصرعت ونطق على لسانها جني عجوز جاوز المئة والخمسين من عمره.. والله والذي نفسي بيده إنه لما حضر عليها تحولت الفتاة إلى عجوز كهلة وأصابها حدب في ظهرها وصارت تمشي أمامنا وتستخرج الأسحار المدفونة في البيت بلا وعي منها وكل من يراها يظنها عجوزا جاوزت المئة في شكلها وصوتها ومشيتها".
طبعا لا أشكك في الثوابت بقدر ما ألفت الانتباه لظاهرة غريبة تفشت في السنوات الأخيرة في كثير من الأقطار العربية والإسلامية، وهي ظاهرة "تجارة الدين" و"تغيب الوعي". في الحالة الأولى يحدث التوقف عن النطق نتيجة لصدمة نفسية وأحيانا قد يفقد الإنسان القدرة على المشي لنفس الأسباب. ولا أعرف لماذا "جورج" أوقف النطق لدى هذا الشاب الذي أجاد اللغة الأجنبية دون أن يدرسها.. إنه أمر غريب يعجز العقل عن فهمه!
أما في الحالة الثانية فلا أعرف كيف تتحول فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها إلى كهلة يصل عمرها إلى مئة وخمسين عاما، وهذا كذلك أمر أغرب يعجز العقل البشري عن استيعابه.
تعالوا معي نستكمل بعضاً من الطرائف التي أسميها حالة "تغيب الوعي" والتي تجد طريقها في صحافة يوم الجمعة، فقد كتب مفسر الأحلام الكويتي الشيخ صالح النهام في صحيفة الوطن الكويتية: "رأيت في الحلم أن زوجتي مجردة تماما من الملابس أمام منزلنا، علما بأنني مقيم بدولة الكويت وأسافر إلى بلدي كل سنة ونصف".. هذا ما حلم به أحد البسطاء ورد عليه الشيخ النهام بقوله: "أدرك زوجتك فربما هناك من يفسدها عليك ويتدخل بحياتك فاتصل بها واستفسر عن أحوالها وطمئنها بقدومك وتعهدها بالسؤال والنصيحة".
لا اعتراض على الأحلام وهي حقيقة واقعة، وكثيراً ما نتعرض لأحلام مختلفة قد تكون أحداثها مرتبطة بقضايا حياتية لا نستطيع مواجهتها بالواقع، فتذهب إلى العقل الباطن وتسبب لنا ضيقاً بين فترة وأخرى، إلا أن المصيبة في تفسير البعض للأحلام والمصيبة الأكبر في هؤلاء البسطاء الذين يلجأون إلى صفحات الجرائد لمعرفة تفسير أحلامهم.
الخطورة في التفسير الذي قدمه لنا الشيخ النهام أنه أوحى لصاحبنا بأن زوجته قد تخونه أو تراودها أفكار الخيانة، مما قد يدفع صاحب الحلم إلى ارتكاب حماقة أو جرم تجاه زوجته. مثل هذه الأحلام أو ما يطلق عليه الرقية أمور أخذت في الانتشار في السنوات الأخيرة وتحولت إلى مصدر لاستدرار المال من جيوب البسطاء الفاقدين للعقل.
يقول المفكر مصطفى حجازي في كتابه "التخلف الاجتماعي" إن مثل هذه الظواهر تفشت في المجتمعات المختلفة وإن معظم هذه الحالات تقع على الفئات الاجتماعية المسحوقة وإن مصدرها حالة الإحباط العامة التي يواجهها الناس في حياتهم. من المؤكد أننا لا نشكك فيما قاله المفكر حجازي وإنما نضيف عليه بأن حالة الاستسلام والخضوع للمجهول عادة ظاهرة لها جذورها في الثقافة العربية وهي لم تعد مقتصرة على فئات اجتماعية دون أخرى، إنها حالة عربية فرضتها طرق تنشئتنا لأبنائنا وعجزنا في تقديم تعليم فعال يصحح الاعوجاج في ثقافتنا.