عشرات المليارات تدخل خزائن الدول الخليجية بسبب ارتفاع أسعار النفط، دون أن تكون هناك خطط تنموية سواء للحاضر أو المستقبل. الكويت حولت معظم المبالغ إلى احتياطي الأجيال القادمة والاحتياطي العام، ولا تزال الدولة مدينة لمؤسسة التأمينات الاجتماعية قرابة الملياري دينار، والسعودية والإمارات زادتا مرتبات الموظفين ما بين (15-20) في المئة، وقطر وعمان لا ندري شيئاً. ويتخوف أحد الكتّاب من احتمالات صرف جزء من هذه الأموال على التسلّح الذي لا طائل من ورائه. وبرغم كل هذه المليارات لا يزال الفقر يضرب أطنابه في بلاد الخليج، والدول العربية تتطلع إلى المزيد من الدعم المالي لاقتصادات شبه منهارة، وجميع الدول العربية لا تعلم مستقبل القادم من الأيام، والتوقعات باستمرار ارتفاع أسعار البترول لا تتعدى عام 2006، وفي مقابل تفريغ آبارنا النفطية، يملأ الغرب احتياطياته، لأن الإنتاج يزيد على ما يقارب المليون ونصف المليون برميل عن الحاجة يومياً.
الدول الخليجية تغرق شبراً شبراً في بحر العمالة الآسيوية الوافدة، والبطالة ترتفع معدلاتها سنوياً بين حملة الشهادات الجامعية التي ما عادت اليوم تطعم خبزاً، ولو تخيلنا -مجرد تخيل- غياب العمالة الآسيوية، فإننا كمواطنين لا نستطيع حتى غسيل سياراتنا أو الحصول على وجبة طعام جيدة، أو إصلاح عطب في التلفاز، وشعار الجميع يتناسب مع مثل شعبي كويتي يدل على اللامبالاة، "أكل اليوم، والحشر باجر"، يعني بالعربي، احصل على وجبتك أو فرحك اليوم، وغداً قد تقوم القيامة، مصدقين أغنية الفنانة إلين خلف "خللي بكرة لبكرة"!
وإذا كان لهذا المثل أن ينطبق على الأفراد، فلا يجوز تعميمه على الدول، التي عليها واجب التخطيط للمستقبل. هل من المعقول أن يستمر هذا الارتفاع في سعر برميل النفط؟ بالطبع لا، بل ومن المستحيل، لذلك من المنطقي أن يشهد العالم انخفاضاً في السعر في المستقبل القريب، وهناك ارتفاع السلع، وهناك تقلبات سعر الدولار، وهناك فائض في الاستثمارات التي تستفيد منها البنوك الأجنبية أكثر من الدول الخليجية، وهناك تزايد المرتبات والأجور التي لا تترافق مع تنامي الإنتاجية الصناعية حيث الاعتماد على مصدر وحيد للتصدير، ألا وهو النفط. تُرى هل من الممكن أن تستمر الحكومات الخليجية في دفع مثل هذه المرتبات فضلاً عن تنامي نفقات فواتير الصحة والتعليم وتوسع البنية التحتية، والتأمينات الاجتماعية إلى الأبد؟ إذن لابد من الاستثمار اليوم حتى يمكن القيام بالحصاد غداً. والتجربة الاقتصادية الناجحة لدبي لا يمكن تطبيقها على الدول ذات المسؤوليات الضخمة، لذلك يمكن القول إن تكديس الأموال قد يخلق مشاكل أكثر مما يوجد حلولاً لمشكلات قائمة بالفعل.
من الواضح أنه إلى الآن لا توجد خطط تنموية ناجحة، ولا أذكر بلداً عربياً واحداً نجح في تطبيق خطته الخمسية، كما أن القائمين على صناعة القرار السياسي من البطء بحيث إنهم يضيّعون فرصاً كبيرة، والتضخم لا يرحم، وليس من السهل كبح جماحه مع تزايد الإنفاق والمرتبات، وخاصة أننا نستورد كل شيء، وإن كانت لدينا هيئات عامة للصناعة؟
هل توجد مشاريع خاصة بتوفير المياه التي ستواجه في مجالها هذه الأنظمة مشاكل عديدة في المستقبل القريب كما تشير الكثير من الدراسات؟ الأبنية متعددة الأدوار والتي ستصل إلى مئة طابق تنذر بمشاكل عديدة قادمة مع تزايد الضغط على خدمات البنية التحتية والخدمات العامة من تعليم وعلاج والمياه والكهرباء، والقطاع الخاص ليس هو الوصفة الناجحة لحل هذه المشاكل في مجتمعات تقترض لتعيش أو للتمتع بالحياة بشكل زائف من خلال الانغماس إلى حد الإنهاك في التبذير على الكماليات.
الأموال اليوم كثيرة، لكن مع قصر النظر وسوء الإدارة، سيُدفع ثمن غالٍ لمستقبل يتسم بالغموض، وحاضر بلا خطط ولا استعداد لهذا المستقبل.